بعد أيام قليلة من انتهاء عاشوراء، وبعد أن شهد العالم كله كيف أن الدولة وفرت كل الأسباب المعينة على إنجاح هذه الذكرى السنوية، واهتمت بتوفير الأمن والحماية للمشاركين على مدى أسبوعين كاملين، ولم تتأخر عن تقديم كل الدعم لتحقيق هذه الغاية، بعد أيام قليلة من كل هذا قام «الشباب الثوري» بتقديم الشكر لوزارة الداخلية وللدولة باستئناف نشاطهم الذي توقف خلال الأسبوعين المذكورين بقطع عدد من الشوارع والخروج في مسيرات تطالب بالإسقاط وتنادي بالتمويت، وبقيام «أبطال الصمود» بإشعال النيران «دعماً لتقرير المصير»، وبالهجوم بقنابل المولوتوف على أحد مراكز الشرطة.
شكر ولكن من نوع جديد، فبدلاً من أن تستغل «المعارضة» الفرصة لتحسين علاقتها بالدولة بقيامها بعمل ما يدفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات معينة تصب في صالح الجميع وتسهم في التهدئة؛ قامت بتحريك ورقة «الشباب الثوري» التي تحاول أن تبتز بها الدولة، وكأنها تريد أن تؤكد تهديدات أمين عام الوفاق في مقابلته مع فضائية «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله، والتي تم بثها في الليلة السابقة.
مشكلة «المعارضة» أنها لا تعرف كيف تستغل الفرص، فبدلاً من أن تستفيد من هذه الفرصة التي أكدت الحكومة من خلالها بأنها لا تتحسس من أي فئة من مواطنيها وتوفر لها كل الرعاية والدعم والحماية، ذهبت إلى تحريك ورقة لا تؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة وتوتير العلاقة وسد الأبواب في وجه كل فرصة للحل.
لو كانت هذه «المعارضة» تنظر للبعيد لشكلت على الفور وفداً لتقديم الشكر إلى القيادة على كل الخدمات التي قدمتها أيام عاشوراء، ولاستغلت كل هذا إعلامياً لصالحها، فمثل هذه الخطوة «تجبر» الحكومة على الإقدام على خطوة تصب في طريق ترطيب الأجواء، وقد تأتي بعدها خطوات من الطرفين تؤدي في النهاية إلى العودة إلى طاولة الحوار والانتهاء من هذه المشكلة التي طالت حتى لم يعد صعباً على أحد تصور أن تصير البلاد بعد قليل نسخة من العراق.
بعض العقلاء ممن التقيهم يرددون دائماً القول بأن على البحرينيين أن يحسنوا علاقتهم بالحكم، وأنهم الأولى بهذه العلاقة، خصوصاً وأن أبواب الحكم هنا مفتوحة وقادة البلاد ترضيهم الكلمة الطيبة. لكن هذا للأسف لم يأخذوا به، وبدلاً عنه سلكوا الطريق التي لا تؤدي إلا إلى الخراب والفوضى والإضرار بمصالح الناس، وليس ما قاموا به أمس الأول في العديد من شوارع البحرين إلا مثالاً على هذه العقلية التي وصلت حداً صعباً حتى لم تعد تسمع فيه النصح، فبدلاً من التعبير عن الشكر للدولة على كل ما قدمته في موسم عاشوراء وأدى به أن يمر من دون أي مشكلات، قامت بإحداث كل تلك الفوضى بعد أيام قليلة من ذلك.
العالم الذي شهد كيف أن الحكومة قدمت كل التسهيلات للمشاركين في عزاء سيد الشهداء عليه السلام قبل أيام كي ينجح وينعم الجميع فيه بالأمن والأمان، يشهد اليوم كيفية تقديم الشكر للحكومة على كل ذلك ويقارن بين العقليتين، وبالتأكيد لن يجد صعوبة في التوصل إلى أن عقولاً صغيرة تتحكم في «المعارضة» وتجعلها تبدو فقيرة في تفكيرها وغير قادرة على استغلال الفرص لتحقيق مراميها.
وطالما أن هذه العقلية هي السائدة لذا فإن المتوقع أن تشهد الأيام العشرة التالية الكثير من التصرفات غير العاقلة والمسيئة لـ «المعارضة» نفسها، ففي هذه الأيام العشرة يحمى وطيس الانتخابات التي لم تكتف «المعارضة» بمقاطعتها، وإنما صارت تسعى إلى تخريبها والإضرار بكل من اختار أن يشارك فيها ويكون سبباً في نجاحها.
«المعارضة» في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في ما تقوم به، لأنه يضر بها وبالوطن الذي تقول إنها تريد أن ترتقي به.