الإقبال غير المسبوق الذي شهده اليوم الأول من تلقي طلبات الترشح للمجلسين النيابي والبلدي، والذي بلغ نحو مائتي طلب غطت كل الدوائر الانتخابية، وما تلا ذلك من ترشيحات لعلها تصل قبل إغلاق باب تلقي الطلبات يوم بعد غد (الأحد) الأربعمائة أو ربما الخمسمائة، هذا الإقبال المثير كان بمثابة الرد العملي على أولئك الذين سولت لهم أنفسهم باتخاذهـم قرار مقاطعة الانتخابات وتبنيهم الدعوة إلى تصفير صناديق الاقتراع تحت حجج غير منطقية. بالعربي الفصيح لقد ألقم الذين رشحوا أنفسهم بإقبالهم منقطع النظير الوفاق ومن لصق فيها من جمعيات سياسية كان لها شأنها ذات يوم حجراً لن تتمكن من الرد حتى لو استطاعت إخراج الحجر من فمها.
هذا الإقبال غير العادي والمثير على الترشح للمقاعد النيابية والبلدية بدا في أحد وجوهه عفوياً للرد على دعوات المقاطعة لمجالس تشريعية قدم المواطنون من أجلها تضحيات كثيرة، وبدا في وجوهه الأخرى تعبيراً عن رفض هذا الذي يقوم به بعض من ناصب الدولة العداء واعتقد في لحظة أنه يتسيد الموقف وأنه قادر على إفشال كل ما يريد إفشاله حتى لو كان الشعب يريده.
الإقبال اللافت على الترشح كان الرد العملي على دعوات المقاطعة التي ظل أصحابها يجهرون بها ويفاخرون وتسندهم آلتهم الإعلامية، وما سيتلو هذا من أنشطة وفعاليات وعمل سيعزز هذا الرد العملي ليصل في لحظة لا تجد فيها الوفاق ومن لصق بها إلا رفع الراية البيضاء والاعتراف بالهزيمة.
ما ينبغي أن تنتبه له الوفاق ومن صار يتبعها هو أن أعضاءها ومناصريها ليسوا كل شعب البحرين وإنما هم فئة صغيرة منه، وأنه لا يمكن لفئة أن تفرض رأيها على المجموع حيث الجزء لا يمكن أن يتحكم في الكل وإن تسبب في أذاه. وما ينبغي أن تنتبه له أيضاً هو أن شعب البحرين شعب متعلم مثقف يرنو إلى المستقبل ويأمل أن يعيش غداً أفضل وأنه يؤمن بأن أمراً كهذا لا يمكن أن يتحقق بالفوضى والصراخ وإنما من خلال ما هو متوفر من أدوات تتيح له التعبير عن رأيه وتسهل له تحقيق المكاسب والوصول إلى ما يريد. لا يمكن لا للوفاق ولا لغيرها أن تضحك على هذا الشعب المتنور، خصوصاً في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة، فلا يمكن لهذا الشعب أن يقبل أن يكون أداة وسبباً لتمكين الأجنبي من هذا الوطن الجميل أياً كانت الشعارات المرفوعة.
شعب البحرين وبعد كل هذا الذي مر به في السنوات الثلاث ونيف الأخيرة لا يمكن أن يشتري الوهم أو يبتعد عن الواقع، خصوصاً وأن ما تطرحه الوفاق ومن معها ليس واضحاً ومثيراً للريبة، ويكفي أن هذا الشعب تأكد من العلاقة الحميمية التي تربط هذه الجمعية بالأجنبي الذي لا يمكن أن يدعي أنه يريد الخير لهذا الشعب فهو يبحث عن مصلحته، ومصلحته فقط.
من يراهن على أن شعب البحرين يمكن أن يصير ضد نفسه أو ضد قيادته واهم ومن دون القدرة على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن يراهن على أن شعب البحرين سينحاز إلى الأجنبي أياً كان حجم ونوع الجزرة التي يلوح بها لا يعرف هذا الشعب ولا يمكن أن يكون منه. شعب البحرين شعب حضاري علمته التجربة فاكتسب من الخبرات ما لا يمكن أن يضحك عليه مبتدئون في السياسة. هذا الشعب لا تحركه الشعارات الرنانة ولا الطبول التي تقرع ليل نهار ويأمل قارعوها أن يلتفت إلى ما يقولون.
شعب البحرين هو ذاك الذي خرج الأربعاء الماضي ليعطي مثالاً على تلاحمه وعلى رغبته في حماية نفسه عبر مجالسه التشريعية فألقم الوفاق ومن التصق بها حجراً