في أحد المجالس التي حضرتها أخيراً، كان الحديث عن الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة التي صرنا على أبوابها، وأدلى الحاضرون كل بدلوه، ومن الطبيعي أنهم تطرقوا إلى الجمعيات السياسية، وعلى رأسها الوفاق، التي يبدو أنها تحب أن تظهر كنجوم السينما الذين لا يحضرون إلا في اللحظة الأخيرة كي يزدادوا لمعاناً وشهرة ويجذبوا الأنظار ويصيروا حديث الساعة. فالوفاق لم تعلن حتى الآن إن كانت ستشارك في الانتخابات أم لا، وليس واضحاً إن كانت قد قررت أن تعود لهذا الميدان.
كثير من الحاضرين تحدثوا بعدم ارتياح من الوفاق وأسلوبها ومواقفها، ولم يتردد البعض منهم في تصويرها على أنها عدو، معتبراً مواقفها منذ انسحابها من مجلس 2010 بعيدة عن الواقع وأنانية. وكلام آخر قريب من هذا قيل عن جمعيات سياسية أخرى؛ أبسطه أنه لم يعد لها أي تأثير في الشارع وأنها صارت تابعة للوفاق تردد ما تقوله وتصفق لها حتى حيث لا يستوجب التصفيق.
أحد الحاضرين الذي ظل صامتاً وهادئاً حتى استثير، قال علينا أن نتفق أن الجمعيات السياسية التي لا ننتمي إليها ورموزها وكل من لا نتفق معه خصوم سياسيون وليسوا أعداء، مبيناً أن الاتفاق على هذا الأساس من شأنه أن يجنب البلاد الكثير من المشكلات، فالخصم السياسي يختلف تماماً عن العدو؛ الأول جزء منا ولكن نختلف معه، والثاني عدو علينا أن نهزمه لأنه يريد أن يهزمنا وينتصر علينا، معتبراً أن كل ما نراه من أخطاء من الوفاق أو غيرها يمكن استيعابه من منطلق أنه ليس بيننا وبين بعضنا البعض عداوة، وإنما اختلافات في وجهات النظر والمعالجة ربما يصل بعضها إلى حد الخلاف وحتى الشجار ولكن لا توجد عداوة.
وأضاف؛ مجتمعنا البحريني لا يمكن أن يختطف، فأفراده وإن اختلفوا واشتد بينهم الخلاف فإنهم لا يصلون إلى مرحلة العداء، بل يظل بعضهم يحترم بعضا ويتزاورون ويلتقون ويقوم كل منهم بالواجب تجاه الآخر، بل لا يرضى بعضهم على بعض، فهم كتلة واحدة، ولكن بين أفرادها اختلاف في المواقف والآراء ووجهات النظر، وهذا أمر طبيعي وصحي.
لذا -يكمل صاحبنا- علينا أن ننتبه إلى ألا يأخذنا الاختلاف إلى الخلاف الشديد والقطيعة، وإن لم يكن ممكناً إنكار أن شيئاً من هذا قد حدث بسبب التجربة الصعبة التي مرت بها البحرين في السنوات الثلاث الماضيات، لكنه في كل الأحوال لا يصل إلى العداء وينبغي ألا نسمح بوصوله إلى هذه المرحلة.
رأي عاقل أؤيده من دون تحفظ، فنحن في مركب واحد، نعمل من أجل وطننا الذي هو نحن ومن أجل مستقبل أبنائنا جميعاً. نختلف نعم، نشد مع بعضنا البعض نعم، ولكن لا يعادي أحدنا الآخر، فنحن في كل الأحوال أبناء شعب واحد نعمل لهدف واحد وإن اختلفت الزوايا التي ننظر منها إلى كل موضوع.
ليس الحديث هنا عن سلوكيات الأفراد؛ فهذا أمر لا يعتد به لأنه محكوم بالعواطف ويمكن أن يحدث حتى خارج فترة الأحداث، ولكنه عن أساسات ودعائم مجتمع البحرين القائم على الألفة والمحبة واحترام الآخر.
لعل ما أوصل البعض إلى فكرة أننا أعداء هو تلك المواقف المتطرفة التي بنيت على ردود أفعال وانطلقت من نظرة غلبت العاطفة على العقل، فصار بعضنا يعتبر الآخر المختلف معه في النظرة والموقف في خانة العدو، وهو ما ينبغي تصحيحه.
الاتفاق على مبدأ أن الاختلاف حق لنا جميعاً وأن الآخرين خصوم سياسيون وليسوا أعداء، اتفاق من شأنه أن يفضي إلى كثير من التوافق الذي نحتاجه في هذه الفترة بشدة.