عندما قلت لأحد الوفاقيين إن خطوة انسحابهم من جلسة انتخاب النائبين الأول والثاني لرئيس مجلس النواب في أول اجتماعات الفصل التشريعي الثاني لم تكن موفقة لأنها أضاعت عليهم هذين المنصبين، اللذين كانا يحلمان بأحدهما، قال لي إنه يوافقني الرأي إلا أنه لم يتمكن من فعل شيء، لأن الوفاق تعتمد مبدأ التصويت في موضوعات مثل هذه، وإن الذي حدث هو أن من صوتوا للانسحاب من الجلسة كانوا أكثر. كان يريد أن يوصل لي فكرة أن الوفاق تمارس الديمقراطية وأنها تحتكم إليها لتعطي الآخرين بها مثالاً، بينما كنت أريد أن أؤكد له أن هذا الفهم للديمقراطية كشف عن قلة خبرة وسوء تقدير للأمور وخسرهم أهم منصبين بعد الرئيس، وإلا كان وضعهم في المجلس مختلفاً.
لكن، هل الوفاق ديمقراطية بالفعل؟ هل هي ديمقراطية دائماً أم أحياناً؟
أما القول بأنها ديمقراطية دائماً فبعيد عن أرض الواقع، لأنها لا تستطيع أولاً أن تكون ديمقراطية في كل شيء بسبب حداثة تجربتها السياسية وحداثة العلاقة بينها وبين الديمقراطية التي ترفع لواءها، ولأن على الأرض وقائع تؤكد هذا الاستنتاج. من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، حجز منصب الأمين العام لشخص بعينه واعتباره فائزاً بالتزكية حتى قبل أن تنتهي المدة المقررة للترشح لهذا المنصب، حيث شهدت الانتخابات الأخيرة للجمعية فوز الأمين العام ونائبه بمنصبي الأمين العام ونائبه بالتزكية، ولعلهما يفوزان بالمنصبين في الانتخابات التالية، فالمنصبان خارج مساحة الديمقراطية.
ولتأكيد ابتعاد الوفاق عن النهج الديمقراطي الذي تدعيه، اعتبرت الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة العدل لوقف نشاطها لمدة ثلاثة أشهر حتى تقوم بتصحيح وضعها غير القانوني اعتبرته تجاوزاً واعتداء على الحريات، ووظفت ماكينتها الإعلامية ضد الحكومة ووزارة العدل ووزيرها والقضاء وكل من قال -وإن همساً- إن ما قامت به هذه الوزارة صحيح ومن حقها. فرفع الدعوى ضد الوفاق يعتبر تجاوزاً على الديمقراطية التي تقف عند هذا الحد!
لماذا استثارت الوفاق وضجت وانتقدت الخطوة بشدة ووجهت ما شاءت من اتهامات للحكومة واعتبرت رفع الدعوى ضدها نكاية بها؛ لأنها لم توافق على ما تقول إنه عرض وصلها للمشاركة في الانتخابات المقبلة وتعديل الحكومة؟ ما الخطورة في رفع الدعوى؟ أوليس هذا ما تطالب به الوفاق دائماً؟ اللجوء إلى القضاء عند الاختلاف؟ أم أن ما قامت به وزارة العدل لا يدخل في باب الديمقراطية التي تنادي بها الوفاق وتدعي تطبيقها؟
ماذا في رفع وزارة العدل دعوى ضد جمعية سياسية رأت أنها خالفت نظاماً معيناً؟ أليست هذه الديمقراطية والحرية وسيادة القانون التي تطالب به «المعارضة»، وتقول إنها تسعى إليها لتكون عنواناً لـ «دولتها»؟
بمجرد علمها بخطوة وزارة العدل التي لجأت إلى القضاء ولم تتخذ قرارات تعسفية ضد الوفاق قام المعنيون بها، ونزولاً إلى أصغر رأس، بانتقاد الخطوة بشدة وبمهاجمة الحكومة والدولة، و»سنوا أسنانهم»استعداداً للدخول في معركة طويلة، والأكيد أنها ستتخذ من هذه القصة مبرراً لتغطية قرارها «الديمقراطي» بعدم المشاركة في الانتخابات التي تعتبرها فاقدة القيمة إن لم تتح لها فرصة «التكويش» على كل شيء وتسلم مقاليد الحكم في البلاد!
رفع وزارة العدل دعوى ضد الوفاق تأكيد للنهج الديمقراطي الذي تعتمده المملكة وتعزيز لدولة القانون، ومهاجمة الوفاق لرافعيها تأكيد على غياب النهج الديمقراطي عن هذه الجمعية التي ترفع شعارات لا تستطيع نفسها الالتزام بها.
رفع وزارة العدل الدعوى لا يعني بالضرورة أنها ستكسبها، فالقضاء مستقل ولا يمكن أن يستجيب لرافع الدعوى فيجامله ويحقق له ما يرغب من أحكام فقط لأنه وزارة العدل أو لأن الدعوى رفعت باسم الوزير، فلماذا الخوف؟