الدولة المدنية شعار براق ظهر قبل أعوام في الأدبيات السياسية البحرينية، حيث صار شيخ الدين يتحدث عن هذه الدولة، وكذلك السياسيون الذين أشغلوا الرأي العام بالدولة المدنية ومستقبل حياتهم إذا تحققت في يوم ما. ولكن لم يجب أحد حتى الآن عن طبيعة الدولة المدنية التي يريدها الجميع!
الدولة المدنية ليست بغريبة على مجتمع البحرين، فالميثاق ساهم في ترسيخ هذا المفهوم، وكذلك التعديلات الدستورية الأولى «2002»، والتعديلات الدستورية الثانية «2012»، كلها دفعت لتكون هناك دولة مدنية، وبالتالي فإن الملكية الدستورية التي توافق عليها البحرينيون هي مسمى آخر للدولة المدنية.
إذاً؛ ما هو الخلل؟ ولماذا يطالب بعض رجال الدين والسياسيين بالدولة المدنية مرة أخرى؟
الفرق هنا أن الدولة المدنية التي يطالب بها بعض رجال الدين والسياسيين هي مجرد وهم، ولا تتعدى الظاهرة الصوتية من أجل تمرير مجموعة من المطالب الذاتية التي تستهدف خدمة مكون معين، أو جماعة معينة، أو حتى تخدم أجندة خارجية معلنة أو غير معلنة.
الدولة المدنية بمفهومها المبسط هي الدولة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات ويمارسون حرياتهم الدستورية وفقاً للقوانين الوطنية ضمن ما يسمى بالمواطنة.
هذه المفاهيم مكتسبات راسخة موجودة في دستور المملكة، وميثاق العمل الوطني أيضاً، ولكن الممارسات والواقع أثبتت خلاف ذلك في أحايين كثيرة، وهنا الإشكالية التي ينبغي معالجتها. كما إنها إشكالية مبررة لأن المجتمع البحريني مازال في مرحلته الانتقالية الأولى نحو الديمقراطية، وإن مر عقد من الزمن على هذه التجربة بأزماتها المختلفة. ولكن التبرير نفسه لا يعني التبرير المطلق وعدم تطوير التجربة وتحديث الممارسات باستمرار نحو الأفضل، وإلا باتت الديمقراطية البحرينية جامدة، وهو بلاشك أمر غير مطلوب.
لذلك فإن مطالب الدولة المدنية وشعاراتها المختلفة التي تحفل بها الأدبيات السياسية يومياً هي مجرد وهم لخداع الجماهير وضمان وجود قضية لهم باستمرار، بحيث لا تتوقف في يوم ما، وهي تكتيك من نوع آخر لضمان السيطرة على الآلاف من الجماهير المخدوعة.
أسس الدولــة المدنيـــة موجـودة في الديمقراطية البحرينية، ولكن المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع لتطوير ممارساتها لتصل إلى درجات أكمل. أما الحديث عن السعي لهذه الدولة و«الحكومة التي تمثل الإرادة الشعبية، ومجلس كامل الصلاحيات»، هي أوهام لخداع الجماهير. خاصة وأنه كلما صدر قرار عن السلطتين التنفيذية أو حتى القضائية بشأن الجمعيات السياسية والجماعات السياسية الخارجة عن القانون اعتبر ذلك «تضييقاً على العمل السياسي واستلاباً للحريات»، ولا ينظر إليه على أنه ممارسة من ممارسات الدولة المدنية التي تتطلب احتراماً من الجميع لسيادة القانون، وتطبيق القانون على الجميع.