تجاوزت البحرين عقداً كاملاً من تجربة الانتخابات النيابية والبلدية، فهل مازال الوعي السياسي كما هو عندما بدأنا التحول الديمقراطي في 2002؟
لا يمكن الإجابة على السؤال وتقديم إجابات جازمة في ظل غياب دراسات أو مسوحات ميدانية دقيقة تقدم مثل هذه الإجابات والنتائج التي تقيس نمو أو تراجع الوعي السياسي.
ولكن هناك مجموعة من المظاهر العامة تعطينا مؤشرات على هذا الوعي بطبيعته وشكله. ويمكن سرد حادثتين وقعتا خلال الأسابيع الماضية تعكسان هذه المظاهر:
الحادثة الأولى تمت في مجلس أحد المترشحين المحتملين للانتخابات النيابية المقبلة، دار حديث بين المترشح والجمهور وهم من عامة الناس في دائرته الانتخابية، وتناول مقارنة صريحة بين النائب الحالي ونائب من دائرة أخرى، وكان الحديث أن نائبهم لم يحقق لهم أي إنجازات، فهم يرون أن الشوارع والطرق والمشاريع الإسكانية لم ترَ النور في منطقتهم، في حين أن نائب الدائرة الأخرى تميز بإنجازات ملموسة حيث ساهم في قيام الجهات المعنية بتنفيذ مشروع إسكاني لهم، وقام بتطوير الطرق والشوارع وبعض الخدمات الأخرى.
تحدث أحد الحضور خلال الجلسة بأن النائب ليس من مهامه القيام بهذه الإنجازات فدوره يقتصر على التشريع والرقابة لا أكثر، في حين أن مثل هذه المشاريع ينبغي أن يتولاها العضو البلدي الذي يمثل الدائرة. ليواجه هجمة شرسة من المواطنين الحضور الذين استنكروا مثل هذا الطرح وأكدوا أن النائب يجب أن يقوم بهذا الدور، فهو يملك الاختصاصات والنفوذ ليحقق لهم هذه التطلعات.
الحادثة الثانية كانت في دائرة انتخابية سبق أن أعلن النائب فيها أنه لن يرشح نفسه، وهو ما شجع الكثير من المواطنين إلى الإعلان عن ترشحهم، ولكنهم فوجئوا بعد أسابيع عدة بأن النائب أعلن ترشحه مجدداً، وقام بخطوة غير مسبوقة عندما قام بالاجتماع مع أئمة المساجد في الدائرة وأقنعهم بأنه يمثل إحدى الجهات، ويجب أن يترشح ويفوز بمقعد الدائرة مرة ثانية، ولابد أن يحظى بدعمهم، النتيجة كانت أن أئمة مساجد هذه الدائرة أعلنوا تأييدهم لــــه، وهو ما جعل المترشحيـــن المنافسين في حيرة من أمرهم بعد أن استغل المنبر الديني صراحة لأغراض انتخابية وسياسية.
هاتان الحادثتان تعكسان لنا مظهراً هاماً مــن مظاهر الوعي السياســـي والثقافة السياسية التي مازالت سائدة، فرغم برامج التوعية التي قامت بها الجهات المعنية، ورغم مشاريع التمكين السياسي المختلفة، مازالت شريحة واسعة من المواطنين تعاني من الوعي السياسي المتدني وثقافتها السياسية محدودة لا تفرق بين دور النائب والعضو البلدي، وتسمح باستغلال المنبر الديني.
مؤشرات هامة يمكن بحثها ودراستها، والأهم من ذلك هو عدم استهداف الوعي السياسي البحريني حتى الآن بمشاريع جادة وطموحة قادرة على تغيير الثقافة السياسية السائدة لتكون أكثر وعياً ونضجاً.