لسنا في حاجة إلى استطلاعات رأي علمية لنتبين مدى ثقة المواطنين في الجمعيات السياسية، فالأمر واضح جلي، فجواب خمسين مواطناً بالغاً عاقلاً من بين مائة يجتمعون في أي مكان عند سؤالهم عن مدى ثقتهم في الجمعيات السياسية، خصوصاً جمعية الوفاق الإسلامية، هو أنهم لا يثقون فيها، أما السبب فهو أنهم تيقنوا أن هذه الجمعيات لا توفر لهم سوى الكلام الذي لا قيمة له ولا يحل مشاكلهم ولا يكسبهم شيئاً، عدا أنها رفعت السقف وتبين لهم أنها دون القدرة على الوفاء بالشعارات التي ترفعها.
دونما شك فإن الجهد الذي قامت به «الوطن» في هذا الموضوع مشكور، وذو قيمة، وإن لم يكن علمياً بالدرجة المطلوبة. فما تم نشره يوم الأحد الماضي في الصفحات المخصصة لانتخابات 2014 أكد معلومة أن نصف المواطنين على الأقل لا يثقون في هذه الجمعيات، وأغلبهم لا يثق في جمعية الوفاق بشكل خاص.
قبل أيام التقيت بصديق أثق فيه يشغل مسؤولية في مؤسسة حكومية، قال لي إن وفاقياً يعتبر من «الصقور» قصده قبل فترة وطلب منه أن يعينه في حل مشكلة لابنه الذي أنهى قبل قليل عقوبة السجن ويريد أن يعيده إلى مقاعد الدراسة بينما تتحفظ وزارة التربية والتعليم على ذلك. صديقي قال لي إنه سأله باستغراب عن الذي يجعله يطلب المساعدة في مثل هذا الموضوع من شخص بعيد عن الوفاق، وإن كان يشغل وظيفة معتبرة، بينما الطبيعي هو أن تقوم جمعيته التي يخدمها بتبني المشكلة والسعي لإعادة الشاب الذي خرج من السجن إلى مقاعد الدراسة، خصوصاً أنها كانت السبب في دخوله السجن وضحيتها، ففوجئ بجوابه الذي يستنتج منه أن الوفاق تأخذ من أعضائها ولا تعطيهم شيئاً وأنها»حزت الحزة» ترفع يدها عنهم وكأنها لا تعرفهم!
هذه حقيقة، فالوفاق تهتم بما يخدم أجندتها فقط وأهدافها لا بما يخدم الناس الذين تستفيد منهم وتعصرهم عصراً، فهي تهتم مثلاً بجمع المعلومات عن الذين دخلوا السجن لكنها لا تعينهم على العيش بعد أن يخرجوا منه، وتهتم بجمع معلومات عن ذوي الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسببها لكنها لا تعينهم أو لا تعينهم بالقدر الذي تستفيده منهم ومن أسماء أبنائهم الضحايا، وهي «تلعلع» فيما يخص البعثات وتدعي حرمان محسوبين عليها منها لكنها لا تفعل لهم شيئاً وتعتبر أنها بتلك «اللعلة» قد قامت بدورها.
في هذا الصدد يخبرني أحد النواب الذي تبين للناخبين في دائرته أنه نشط ويسعى لخدمتهم وخدمة المواطنين جميعاً، يخبرني بأن بعضاً من المنتمين إلى دائرته زاروه في بيته وطلبوا منه أن يعينهم على حل بعض مشكلاتهم، وأنه أخبرهم بأنه لن يتأخر عن هذا، لكنه سألهم عن السبب الذي جعلهم يطرقون بابه ويطلبون منه ذلك رغم أنهم لم يرحبوا به ورفضوا أيام الانتخابات التعاون معه ولم ينتخبوه، فقالوا له إنه تبين لهم بالفعل أنه يسعى لخدمتهم وأن المواطنين يبحثون عن هكذا نواب، وقالوا له أيضاً ما قالوه عن جمعية الوفاق التي لم تتبن أياً من مشكلاتهم ولم تكلف نفسها السعي لخدمتهم، وأن كل ما تريده منهم هو الخروج في المسيرات التي ملوا منها ولم تكسبهم شيئاً.
ما قلل من ثقة المواطنين في هذه الجمعيات السياسية هو أنهم لا يستفيدون منها شيئاً، وأنها تأخذ منهم ولا تعطيهم، فهي لا تعينهم على الحصول على وظيفة أو بيت إسكان أو حل مشكلة عالقة، ولا تكلف نفسها بالنزول من برجها العاجي فتذهب لمقابلة مسؤول في الدولة كي تنقل له مشكلات المواطنين، فكل ما تفعله هو أنها تصدر بيانات لا قيمة لها ولا تغني من جوع