لو أن أحد المترشحين للمجلس النيابي أطلق لناخبيه وللشعب البحريني وعداً بأن يتحدث كثيراً وفي كل شيء ولا يفعل شيئاً، هل تراه سيجد من ينتخبه؟! بالتأكيد لن ينتخبه أحد، لكن واقع الأمر هذا هو حال بعض النواب الذين أفرزتهم الصناديق الانتخابية.
ولو أن أحد المترشحين وعد ناخبيه وقواعده الشعبية بأن يعجز عن تقديم ولو مقترح بمشروع قانون واحد، وأنه سيمتنع عن توجيه أي سؤال نيابي أو حتى طلب إحاطة لأي وزير، وأن لا يستخدم حقه الدستوري في الاستجواب، وأن لا يقول تحت القبة إلا «نعم» أو «لا» عندما ينادي الرئيس للتصويت على قرارات المجلس، ترى هل سيجد من ينتخبه أو ينحاز إليه أو حتى يزور خيمته الانتخابية؟! بالتأكيد الإجابة هي لا وكبيرة أيضاً. لكن واقع الحال يشير إلى نواب تنطبق عليهم كافة المعطيات السالفة الذكر، وتم إفرازهم نواباً للأمة والشعب من خلال صناديق انتخابية شهد العالم على نزاهتها، وهي فعلاً نزيهة تماماً، لكن ثمة فرق كبير بين النزاهة وسوء الاختيار، وإذا كان اللوم يوجه إلى الحكومة إذا شاب الانتخابات شائبة تطعن في نزاهتها، فإن سوء الاختيار يقع على الناخبين أنفسهم، وبالطبع على المرشحين الذين مارسوا التدليس على قواعدهم الشعبية حتى انتخبوهم ثم تخلوا عنهم وعن مطالبهم واحتياجاتهم، بل حتى عن اهتماماتهم وشؤونهم وشجونهم.
السؤال الكبير هنا: هل يلدغ الشعب من جحر واحد مرتين؟! الرسول عليه السلام نفى، ونهى أيضاً أن يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين. والناخبون الذين يعاودون انتخاب نواب أثبتوا عجزاً وتقصيراً وعدم قدرة على إنجاز واجباتهم الوطنية والنيابية فسوف تنطبق عليهم الآية الكريمة (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)..!
هناك نواب تجاوزوا كل الخطوط الحمراء والخضراء من الصمت القاتل عما يجري في الوطن، وهناك نواب وقفوا متفرجين حيال الذين تجاوزوا القوانين ومارسوا المساس بهيبة الدولة وبالنظام العام، فلم يرفعوا في وجوههم يداً ولا حتى أصبعاً يحذرهم من المساس بالوطن وهيبة الدولة وقوانينها، وهذا نوع من الخيانة للوطن والشعب والأمة، وهناك نواب يكثرون من الظهور في المناسبات والأعياد على صدر الصحف لإطلاق التصريحات ورفع التهاني، لكنهم يختفون بسرعة عند اشتعال الساحة وعند حاجة الوطن لخطاب وطني ينصره ويدافع عن حقائقه ويدحض أباطيل خصومه، وهناك نواب لم يسجل لهم أنهم ساهموا في إخراج ولو قانون واحد أو مقترح بقانون يضاف إلى محفظتنا التشريعية الوطنية أو يساهم في تحقيق مكتسب وطني جديد للبحرين وشعبها.
بعيداً عن كل هؤلاء، هناك وطن يحتاج منا جميعاً أن لا نقف فقط إلى جانبه، بل أن نتقدم الصفوف دفاعاً عنه، وعملاً من أجل نهضته وخدمة أبناء شعبه في كل صغيرة وكبيرة مما يحتاجون أو يتطلعون إليه.
هناك وطن مارس عليه الغرباء الطامعين أقسى أنواع المؤامرات، ومارس في حقه من بعض أبنائه الحاقدين والمغرر بهم أقسى أنواع العقوق الوطني، وهو يحتاج منا جميعاً اليوم وغداً، ليس فقط أن نحميه ونصونه وندافع عنه، بل أن نطور من أنفسنا وقدراتنا ومؤهلاتنا وأدواتنا لنخاطب العالم باللغة التي يفهمها، ونفشل ما ينسجه البعض ضد أمن البحرين وأمانها واستقرارها وتنميتها، وحين نمتنع عن فعل ذلك أو حين نتكاسل عنه أو نتعامل معه بسذاجة أو بغير اهتمام حقيقي أو بسوء رؤية، عندها نكون في الجانب المخطئ والمظلم من التاريخ.
في مقابل كل ذلك لابد من الإشارة إلى مجموعة أخرى من النواب (رجالاً ونساءً) ذهبوا إلى أبعد ما يستطيعون، ويملكون العمل الوازن والذكي والمدروس بعناية من أجل خدمة البحرين وشعبها وثوابتها ومصالحها الوطنية، واستطاعوا رغم العقبات والإحباطات أن يسجلوا نجاحات مميزة ومشهودة لهم كنواب وممثلين للأمة وللوطن، ولا يمكن لأي منصف أن ينكر إنجازاتهم وما بذلوه من جهود وما وقفوه من مواقف وطنية وتاريخية، وهذا ما يجب علينا جميعاً أن نعترف به أولاً، ونعطي كل ذي حق حقه ثانياً، ونكون منصفين في الرؤية والنقد حتى يبين الإيجابي من السلبي، والذي يعمل من الذي لا يعمل، هناك نواب يستحقون أن تفاخر بهم البحرين وأن نعتز بهم كخبرات وطنية رائدة ووازنة.
وهناك مثل يوغسلافي قديم يقول «إن تغريد بضعة بلابل لا يعني وصول الربيع»، والمعنى أنه لابد من تغريد أكبر عدد ممكن من البلابل حتى نشعر فعلاً بحلول الربيع، وحتى يكون المجلس النيابي (بنكاً) للمكتسبات والإنجازات والمواقف، فلابد من أن يكون الإيجابيون فيه أكثر بكثير من السلبيين، وأن يكون النواب المنجزون والقادرون على الإنجاز هم الأغلبية العظمى، وأن تتقدم أجندة الوطن على أي أجندة نيابية أو مناطقية أو فئوية أو حزبية، عندها سنكون على يقين بأننا نقف في الجانب المضيء من التاريخ.. وحمى الله البحرين.