تاريخ فلسطين مع الاحتلال قديم جداً، وبقدمه نصرتها من العرب والمسلمين، وقد أخذت النصرة شكل الحملات بدءاً بالعسكرية ووصلاً إلى التويترية، تاريخ ينحدر من أعلى القمة إلى أسفل القاع.
مشكلة العرب في تعاطيهم مع قضاياهم المصيرية ذلك الارتباط بتاريخهم المشرق والاتكاء عليه ومحاولة استحضاره وتطبيق قوانينه على واقع انسلخ منه، فيوم أن احتلت القدس على أيدي الصليبيين كانت فلسطين قضية إسلامية مركزية، ولذلك نجد صلاح الدين قاد حملات وخاض معارك عسكرية عدة حتى تمكن من استعادة معظم الأراضي المقدسة، فخلده التاريخ لدرجة أن الشعراء والكتاب ينادونه لينهض من قبره ويستعيد لهم فلسطين من جديد.
وقد رسخ ذلك التاريخ في الأذهان محاولات العرب لاستعادتها بعد إنشاء الكيان الصهيوني فيها، وعلى الرغم من كونها محاولات تكللت بالهزيمة إلا أنها كانت محاولات عسكرية قاتل فيها جيش عربي يتطلع إلى تحريرها، لينتقل بعدها العرب إلى حملات من نوع آخر حدودها الميكرفونات والخطابات النارية التي ملؤها الشجب والاستنكار والتنديد، وكان الشعب العربي يتابعها ويتأثر بها، إلى هنا وقضية فلسطين هي الأولى عند العرب كأفراد يشكلون أمة.
لابد لنا اليوم أن نعترف أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى ولا الثانية، وأصبحت مجرد ذريعة تتخذ للتخلص من مشاكل أو الحصول على مكاسب، حتى إن أحد الفضلاء ذكر أن شخصاً يدير منظمة تعمل في المجال الاجتماعي جاءه باحثاً عن تبرع لها، فسأله عن أهدافها فقال له تحرير فلسطين!
لقد أصبحت قضية فلسطين وقضايا العرب المماثلة لها اليوم لا تتعدى كونها مادة دسمة لأعمال «التوترة» و»الفسبكة»، فكل ما تأخذه هذه القضايا من العرب «لايكات» وتعليقات على ما ينشره المغردون، كما إنها أصحبت فرصة كبيرة لإظهار الانقسام العربي تجاه قضايا الأمة، وتحول الموضوع من صراع عربي مع الكيان الصهيوني إلى مشكلة غزة مع الكيان، للأسف حصل العدوان الصهيوني على غزة والعالم العربي منشغل بمتابعة كأس العالم، قضية العالم المركزية، ولولا ذلك لرأينا العجب العجاب، أما من لم ينشغل بكأس العالم من المغردين فقد تحول إلى آلة للإحصاء وكأنه عاد للخسائر «كل كم دقيقة يكتب»: بلغ عدد الشهداء والجرحى والمنازل المهدمة كذا وكذا، باختصار تحولت نصرة فلسطين عند قادة العرب من تجييش الجيوش والقتال إلى تفويض الشعب بطريقة الرد، على ألا تتجاوز حدود تويتر وفيس بوك، وبدؤوا يناقشون قضية هل ندين إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني أم أنها حق؟
يا أهل فلسطين والعراق وسوريا واليمن، العرب منشغلون بكأس العالم وهذا ما أخرهم عن نصرتكم، وبعد أن ينتهي أبشروا بعزكم ستكون هناك تغريدات لا حصر لها على تويتر