كلنا كأطفال، وأطفالنا اليوم، يعتقدون أن أباءهم وأمهاتهم هم من يملكون العصا السحرية، ما إن طلبوا شيئاً إلا ويجب تلبيته لهم وإن كان المطلوب يشوبه الخيال. والأهل بالنسبة لأطفالهم بلا شك أقوى وأذكى من «العم غوغل» وكل محركات البحث الإلكترونية، فإجابة الأهل حاضرة ببرهة من الزمن لأي سؤال يخطر على البال.
فكل جواب يسمعونه لا بد أن يكون سبباً بعدها لكثير من الاستفسارات والتحليلات، ولا يمكننا الهروب والانفلات ولا التحايل والخداع.
فمطلبهم الإجابات، لكن على المنقلب الآخر رغبتنا الحقيقية تكمن في توفير الحاجيات التي يتمنونها، وإن كانت مجرد كماليات، وإن كنا قد حرمنا منها نحن أيام زمان. وهذه الرغبة الخالصة تعتبر أرقى وأجمل أنواع «الحب»، لأنه حب طاهر نقي وبعيد كل البعد عن أنواع الأنانية.
فإن كانت الأجوبة ضرباً من الخيال والحاجيات خصصنا لها الموازنات؛ إلا أننا نقف أحياناً كثيرة ضائعين لا نعلم كيف نتصرف أو نجيب! لذا فإنني بعد الله وبكم أستعين في مساعدتي؛ كيف لي أن أجيب طفلاً لا يزيد عمره عن الخمس سنين، تعلّم أنه لا بد أن نقدم يد العون للمحتاجين بغض النظر عن العرق والدين، وأنه لا بد أن أكون مع إخواننا مترابطين، منصفين غير أنانيين. وإن الكاذبين هم أشرار ولا يوجد في قاموسه ما يعرف بالمشردين والمضطهدين وأنواع القاتلين، لأن الدم والدمار هو فقط في الأفلام الكرتونية التي يأتي بها سوبرمان ويخلص الناس من كل هذا العذاب.
ولكن فجأة يبدأ قلبه بالارتعاش وهو يقصد التنقل بين المحطات التلفزيونية لتقع عيناه على مشاهد حقيقية، فيها نفوس بشرية وليست مخلوقات وهمية. ليبدأ بعدها سرد التساؤلات، وكل «لماذا» لا بد يتبعها كم من التحليلات: «ماما لماذا هذا الطفل عم يبكي؟ ماما لماذا هذه البنت ثيابها رثة بالية؟ ولماذا هذه السيدة تركض وهي تصيح وتصارخ؟ ولماذا هذا الرجل مغطى بالدماء؟ لماذا هذا البيت مهدم؟ ماما انظري في ألعاب مكسرة وفوقها كم من الحجر المهدم؟».
وكل مرة يقول «لماذا» كما قلناها قبله ولا نزال نرددها. حقيقة إن الإجابات سهلة جداً وواضحة وصريحة وبسيطة، ويمكن من السهولة البوح بها ولكن لشاب بالغ رشيد، يسأل ليتعمق بأحداث القضية ويكون لها من الواعين.
فماذا يفترض أن يكون الجواب لهذا الطفل البريء، هل أصدقه القول وأفتح عينيه على حقيقة هوجاء بأننا نحن كعرب لا نزال غير متضامنين لكي نحجب دماء أهلينا الأبرياء أو أجاريه وأسرح معه بالخيال وأنسب الدمار للشريرين أعداء سوبرمان؟
على من تقع الملامة؟ على المعتدي معدوم الضمير أو على أصحاب الضمائر التائهة! وللأسف فإن كانت طفولة أبنائنا مشتتة بين ما يسمعونه من تناقضات نرسمها في عقولهم، ولكن ماذا عسانا أن نقول عن الأولاد والبنات الذين ضاعت طفولتهم حقاً وتبعثرت أحلامهم وفقدوا مستقبلهم وخسروا، وهُم لا يزالون ينتظرون تحركاً فعلياً وليس فقط أقوالاً وأبياتاً شعرية.