ربما كانت فكرة الأسلحة «الكيمياوية» إبان حكم الرئيس العراقي صدام حسين ذريعة جاهزة لغزو العراق، كما هي ذريعة ضرب القاعدة في أفغانستان من أجل احتلالها بالكامل، ولربما كانت حادثة الحادي عشر من سبتمبر المشكوك في مصداقيتها حتى هذه اللحظة، هي الأخرى تعد المحرك الأقوى لبعثرة الشرق الأوسط وغزو أراضيه، بحجة ملاحقة رجل واحد فقط، اسمه أسامة بن لادن.
هكذا الحال مع الشقيقة دولة الكويت حين غزاها صدام حسين، فجاء الأمريكان يهرولون من أجل تحريرها ومن ثم فرض الجزية على حكومات الدول العربية، فكانت النتيجة أن تم سرقة النفط ومليارات الدولارات عبر مسميات ظريفة ومستلطة، كإعمار الكويت وتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، وبعد ذلك جاءت النتيجة الأوضح بتجويع الشعب العراقي وأطفاله.
بعد مرور عقد على غزو العراق، وبعد انهيار المنظومة الاقتصادية العالمية وسقوط الرأسمالية وما استتبعها من أزمات مالية ومن ضعف شديد للدولار الأمريكي وغلق آلاف المصانع والمؤسسات العسكرية وتسريح ملايين العمال والموظفين، ومن أجل إحياء رفات الرأسمالية لابد إذاً من صناعة مؤامرة أمريكية غربية للعودة من جديد إلى هذه المنطقة المتخمة بالنفط والخيرات والكسالى، وذلك عبر اختلاق مجموعة من الأزمات والأعداء الوهميين، وإثارة الفتن واختلاق أكاذيب سياسية، كل ذلك كذرائع منطقية للغزو الجديد!
داعش، حتى ولو كانت تمثل خطراً حقيقياً على المنطقة وأمنها، إلا أنها تبدو صناعة أمريكية بامتياز، كما أنها أكثر المبررات السياسية المنطقية لاجتياح الدول العربية.
الخطاب الأخير للرئيس الأمريكي أوباما كان صريحاً وواضحاً للغاية، والرجل»ما لف ولا دار» فأعلنها بكل وضوح، أن هدف الأمريكان الحالي ينصب على محاربة دولة داعش العظيمة، والتي أقل ما تحتاجه واشنطن للقضاء عليها هي ثلاثة أعوام كاملة، بينما وبحسب كل الخبراء العسكريين أن ثلاثة أيام أمريكية فقط لا غير تكفيهم لغزو كل الدول العربية!
داعش خطر يهدد المنطقة، لكن الأمريكان خطر يهدد مستقبلها، وإن كانت داعش جماعة مسلحة إرهابية، فيمكن للعرب القضاء عليها لو تعاونوا بطريقة صحيحة وصادقة دون الحاجة للتدخل الأمريكي والأجنبي.
مشكلة العرب تكمن في أمرين؛ إما عدم مقدرتهم قراءة الواقع السياسي بشكل صحيح ومن ثم فقدانهم تتبع خطوات المستقبل بطريقة جيدة، أو أنهم يعلمون ذلك لكنهم أوكلوا أمرهم إلى الأمريكي، لأنهم أضعف من أن يواجهوه أو يطردوه حين يتدخل في شؤونهم بحجة سد الذرائع، وهذا هو الأمر المرجح.
حين تتضح هذه الصورة المرعبة في الأذهان والواقع، يمكن أن نؤكد أن خطر الغزو الأمريكي القادم أشد إيلاماً وفتكاً من داعش نفسها، ولو كان من سبيل للقضاء على داعش وأخواتها، فهنالك ألف وسيلة ووسيلة أخرى غير لغة الغزو، لكن إنقاذ الدولار وملء الخزينة الأمريكية المفلسة وتشغيل المصانع الرأسمالية المتوحشة لا يكون إلا عبر خلق مؤامرة كونية بحجم هذا الإفلاس، مؤامرة اسمها «داعش»، إنها الذرائع التي هي أقبح من كل ذنب عظيم، فمتى سيصحوا العرب؟!