بادئ ذي بدء أعلن عن تضامني الكامل مع «عناوين» الحملات الإعلامية التي تناولــت قضايا أطفال البحرين أو الطلبة الذين يقبعون خلف قضبان الزنازين في الوقت الذي يقضي فيه زملاؤهم أسابيعهم الأولى في المدارس والجامعات. حق التعليم للجميع، فلماذا يقبع مجموعة من الطلبة البحرينيين خلف القضبان؟ وما هي جريمتهم؟ ومن الذي اقتادهم إلى طريق يؤدي بهم إلى الزنازين في هذا العمر الباكر؟
علينا أن ندرك، أولاً، أن ظروف اعتقال هؤلاء الطلبة ليس لها علاقة بالعملية التربوية والتعليمية، فليس قضاؤهم للعقوبة أو التوقيف خلف القضبان ناتج عن مخالفات سلوكية اقترفوها داخل أسوار المدرسة، فتلك القضايا تعالجها لائحة المخالفات السلوكية الخاصة بالطلبة التي ليس من بينها الحبس أو التوقيف!!
ولكن هؤلاء الطلبة توجه إليهم تُهمة اقتراف جرائم جنائية ارتكبوها خارج أسوار المدارس وبعد الدوام المدرسي أو في العطلات المتفرقة. وهذه التهم تتلخص في الدخول في مواجهات مع رجال الأمن، وإتلاف الممتلكات العامة، وتهديد حياة الآخرين وسلامتهم باستخدام المولوتوف وحرق الإطارات في الشوارع العامة. ثانياً، علينا أن ندرك أيضاً، أن سجن هؤلاء الطلبة وغيرهم من المحكومين أو الموقوفين لأسباب أمنية متعددة، لا يحرمهم من حقهم في التعليم، إذ توفر وزارة التربية والتعليم لهم جميعاً فرصة إكمال دراستهم بنظام الانتساب وتهيئ لهم دخول امتحانات كافة المستويات التعليمية أسوة بالطلبة العاديين.
وحملات «طلبة البحرين/ أطفال البحرين، خلف القضبان»، يقودها حقوقيون ونشطاء سياسيون وجمعيات سياسية تطالب بإطلاق سراح هؤلاء الطلبة وشطب قضاياهم من المحاكم باعتبارهم معتقلين، وباعتبارهم أطفالاً لا ينبغي التعامل معهم أمنياً ولا حرمانهم من حق التعليم الذي كفلته المواثيق الدولية وأكده دستور مملكة البحرين. فقضية هؤلاء الأطفال تنتهي عند رعاة الحملة بمجرد خروجهم من السجن وعودتهم إلى بيوتهم ومنازلهم، ومغزى الحملات ومقصدها ضمان استمرار الأطفال في الجرائم الأمنية دون أن يتعرضوا لمساءلة أمنية، ليقضي بعض أطفال البحرين صباحهم في مدارسهم، ثم ينتشرون في الشوارع والأزقة ليلاً يواجهون رجال الأمن ويرمون المولوتوف ويحرقون الإطارات فجراً بحصانة قانونية مغلوطة مفادها أنهم أطفال وقصر لا ينبغي اعتقالهم وسجنهم!!
ونحن إذ نتفق مع «عنوان الحملات الإعلامية»، إلا أننا نختلف مع منظميها في التفسير والتفاصيل، وحتى طبيعة المطالب، فبالإضافة إلى إيماننا بحق الطفل البحريني في الحصول على التعليم، فإن من حقه، استناداً على المواثيق الحقوقية الدولية، أن يعيش في بيئة آمنة وصحية توفر له أسباب النمو الجسمي والفكري السليم. ومن سمات تلك البيئة تحييد الأطفال عن الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة وعدم استغلالهم لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، وأن يتم تحييد العملية التعليمية والتربوية عن أي استقطابات سياسية أو مؤثرات إديولوجية.
وعليه كان ينبغي على جوقة حملة «طلبة بحرينيون/ أطفال بحرينيون خلف القضبان» أن يضيفوا إلى مطالبهم بإطلاق سراح الطلبة مطالب كثيرة وشرعية تحمي الطفولة وتكفل لهم حق التعليم الجيد. منها محاسبة أولياء أمور أولئك الأطفال عن تقصيرهم في متابعة أبنائهم وتركهم فريسة للشوارع والجرائم. ومنها المطالبة بالملاحقة القانونية لكل من يحرض الأطفال على مخالفة القوانين واقتراف الجرائم مثل الجمعيات السياسية والمنابر الدينيــة وشبكات التواصل الاجتماعيــة، وأن يضغطوا على السلطتين التشريعية والتنفيذية لسن قوانين تحمي أطفال البحرين من الانتهاكات ومن الاستغلال ومـن الانجراف خلف الصراعات السياسيـــة التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل. وأن يطالبوا السلطة القضائية بتغليظ العقوبات القانونية على كل من يثبت تجنيده للأطفال وغرسه أفكاراً مشوهة في ذهنهم، وتدريبهم على صناعة المولوتوفات واستخدامها وتدريبهم على حرق الإطارات في الشوارع.
كنا نأمل من الحقوقيين والسياسيين المتصدرين لهذه الحملات أن يكونوا أمناء على أطفال البحرين وأن يطبقوا مفاهيم حقوق الإنسان بتكامليتها وليس بانتقائيتهم الانتهازية. فما يجري في البحرين من عمليات ممنهجة لتشويه وعي فئة من الأطفال والطلبة، وإدخالهم في تجارب إنسانية مؤلمة منذ نعومة أظفارهم مثل التعرض للأذى الجسدي أثناء المواجهات الأمنية أو فقد أحد زملاء الدراسة أو دخول السجون، وفرض صورة نمطية مفزعة تجاه الشريك الآخر في الوطن هي جرائم حقوقية لم تسترع اهتمام القائمين على الحملة، بل هي أداة بعضهم لاستمرار الأزمة في البحرين عقوداً طويلة عبر إنتاج أجيال من الشباب المعذب الذي يحمل راية المظلومية كابراً بعد كابر. وليجد تجار حقوق الإنسان وسماسرة القضايا البحرينية ما يملؤون به ملفاتهم التي يحملونها في أروقة المنظمات الدولية ويعرضونها على طاولات البرلمانات الغربية. أما مستقبل أطفال البحرين وطلبتها وسلامة الشخصية البحرينية من التعرض لأي تشوه أو انحراف فلا يعنيهم ولا يهمهم.