تتبنى وزارة الثقافة الآن مشروعاً ضخماً كبيراً لا تضطلع به «وزارة» بل تضطلع به حكومة ودولة تحمل فكراً استراتيجياً ورؤية مستقبلية.
أبقت كل الدول الأوروبية في عواصمها ومدنها الرئيسة منطقة «محمية» عرفت بتسميتها «بالأولد تاون» أو المدينة القديمة، حتى وإن كانت محاطة بكل أشكال العمارة الحديثة وناطحات السحاب وسكك القطار ومحطاته ومواقف السيارات والخدمات المدنية الضرورية، إنما المدينة القديمة لا تمس بقرار من الدولة، واحتفظت بطابعها ومبانيها ورمموا واجهاتها لعدة أسباب تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، فأصبحت معلماً من معالم السياحة لا يمكن أن تزور أي دولة أوروبية اليوم دون أن تسحرك مدينتها القديمة، حيث لا سيارات ولا تلوث وشوارعها مبلطة بالحجارة وطرقها الملتوية ومحلاتها المفتوحة ومقاهيها ومظلاتها واستراحاتها وأشجارها، حتى المدن الحارة منها وجدت ألف طريقة وطريقة حديثة أدخلتها دون أن تمس طابع المدينة من أجل جذب السائح لها.
فنحن لسنا أمام مشروع للاحتفاظ بالمعالم الأثرية المتفرقة في المحرق كما يظن البعض، بل نحن أمام مشروع متكامل يهدف لجعل المحرق هي «الأولد تاون» للبحرين، يهدف لإعادة المحرق على ما كانت عليه مع تجهيزها من جديد بما يخدم طرق وسبل الحياة الحديثة، وما يجعلها منطقة جاذبة لعودة أهاليها الذين هجروها، وجعلها مدينة جاذبة للاستثمار السياحي النظيف، وجعلها متحفاً تاريخياً حياً يحكي قصة الإنسان البحريني وتاريخه في الغوص وفي التجارة وفي حرفه اليدوية القديمة.
الحلم كبير وبالإمكان تحقيقه، خاصة أن أهم ركائزه متحققة على الأرض الآن، ومادته الخام موجودة لم تهدم بعد وهذه ميزة عظمى لو تعلمون، فلسنا كغيرنا نعيد بناء نماذج صناعية أو نلم التراث المحلي من دول أخرى ونعرضه على أنه تراثنا، بل المحرق هي كبئر البترول الذي كشف عنه التنقيب مؤخراً ويحتاج إلى أن نستثمر في استخراجه من الناحية الاقتصادية ليكون مردوده كبيراً، يحتاج لفنادق من نوع «البوتييك» وهي الفنادق الصغيرة المتناثرة وقد بدأت وزارة الثقافة في بناء بعضها.
التصور موجود وعكف على دراسته أخصائيون منذ أربع سنوات تم فيه مسح المحرق بيتاً بيتاً، و«داعوس داعوس»، فريج فريج. جزء كبير من ميزانية المشروع موجود، نجحت وزارة الثقافة في الحصول عليه كقرض ميسر جداً من صندوق التنمية الإسلامي بما يقارب 15 مليون دينار، والوزارة عاكفة على تنفيذ كل ما يخصها وما هو من جهتها، وطريق اللؤلؤ سيكون مرتكزاً لهذا المشروع ونقطة بداية لاستكشاف الزائر لتاريخ الإنسان البحريني من عبارة تنقله لقلعة بوماهر ثم ينتقل بعهدها لبيت النوخذة والطواش والغواص والقلاف وغيرهم، ماراً في طريقه على بيوت المحرق بواجهتها التي سترمم وباستراحات مشجرة وبإنارة حديثة مدروسة وبمقاهٍ ومحلات لبيع المنتجات الحرفية.
هو مشروع كما قلت منذ البداية مشروع دولة مشروع حكومة مشروع أهالي المحرق بالدرجة الأولى، ما لم تؤمن كل هذه الأطراف بأهمية هذا المشروع فإنه سيتعطل ويعرقل ولن يتحقق.
على القائمين على المشروع أن يحملوا الراية ويتحدثوا مع كل هذه الأطراف لشرحه وتوضيحه، وقد كانت الجلسة الأولى مع جزء من أهالي المحرق جلسة ناجحة بكل المقاييس، فحماسهم كان منقطع النظير وأبدى الجميع استعداده للمساعدة، والآن بصدد تشكيل لجنة دعم وتسويق لهذا المشروع مع أهالي المحرق لزيارة المجالس والفرجان والعوائل للحصول على دعمهم، وستكون هناك جلسة شرح للمشروع للوزارات والمؤسسات المعنية وهي في هذه الحالة جميع الوزارات بلا استثناء، البلدية والأشغال والإسكان والصحة والكهرباء والمجلس البلدي والسلطة التشريعية بعد الانتخابات، ولا ننسَ الإعلام، فالمشروع به حلول مقترحة كثيرة لمواقف السيارات ولمحطات الدفاع المدني وللمخارج والمداخل مثلما فعلت الدول الأوربية حين أرادت استغلال مدنها العريقة للأغراض السكنية والسياحية.
هذا المشروع ليس لفلان ولا لفلانة إنه للبحرين كلها، ليس لعائلة وليس لناس دون ناس، إنه للبحرين كلها.. إنه مشروع في حب البحرين لا أكثر ولا أقل.