فوجئنا بالإعلان عن مشروع جسر الملك حمد وعبرنا عن فرحتنا، وركز الإعلام على الروابط التاريخية والاجتماعية التي تربط بين البلدين، ويبدو أن المشروع كان معداً سلفاً بخرائطه وبدراسة كلفته إنما بتكتم شديد حتى اكتمل، فانتهز جلالة الملك حفظه الله فرصة زيارته لخادم الحرمين الشريفين وتم الإعلان عنه.
هذا جيد.. إنما إلى الآن لم ننجح في لفت النظر محلياً ودولياً حول أهمية هذا المشروع الضخم، فهو ليس مجرد جسر احتياطي. لم تنجح الجهات المعنية بالإعلان عنه بشكل يسوق للبحرين بوجود مثل هذه الوسيلة من المواصلات، لم نسوقه بضجة تناسب أهميته فنوظف هذه الضجة للدعاية للبحرين مثلما تفعل دول الجوار حين تسوق لأي مشروع جاذب للاستثمار، مشروع يكون بنية تحتية لبقية المشاريع كهذا الجسر.
هذا المشروع لا يقل في أهميته عن المشاريع الكبيرة التي وضعت البحرين على الخارطة الصناعية أو الاستثمارية بشكل عام، فلا يقتصر الأمر على عملية «بناء الجسر» كمشروع بحد ذاته رغم أنه مشروع سيحمل خيراً لهذا البلد ويحرك قطاع الإنشاء، إنما لابد أن ننظر إليه كجزء من منظومة بنية تحتية تؤهل البحرين لتكون شريكة للمنطقة الصناعية في الشرقية في المملكة العربية السعودية، لنجعل البحرين جزءاً مكملاً «جنة صناعية» لو تم وضع استراتيجية شراكة شاملة فعلية بين الإثنين يعم خيرها على الجميع، وبإمكانه أن يمتد إلى كل المملكة السعودية، إنما يحتاج الأمر أن تضع الدولة خطة خمسية تتزامن جاهزيتها مع جاهزية الجسر تشمل إعداد الأرض وتوفير التسهيلات التشريعية والإجراءات. ويحتاج أن تضع البحرين خطة تسويقية له، وهنا مربط الفرس وهذا الذي يخيفنا نحن.. فمع الأسف لم نسمع ضمن الاحتفاليات بالخبر عن تصور مستقبلي للفرص والإمكانات الاقتصادية التي سيفتحها وجود قطار لنقل البضائع، لم تتحدث وسائل الإعلام عن أرقام وإحصاءات ودراسات لفرص العمل التي سيتيحها هذا المشروع من إشغال الفنادق ومدخولها غير المنظور، لم يخرج مسؤول يتحدث عن الاستعدادات البحرينية المتزامنة صناعياً وتجارياً مع وجود وسيلة نقل كهذه لم تكن موجودة من قبل.. يا أخي «نصف الاستثمار دعاية عنه» عدا أن انعكاس هذه الدعاية على نفسيات الناس وانتعاش آمالهم لها مفعول السحر ونحتاجها في هذا الوقت، خاصة وأنت لا تبنيها على وعود بل تقدمها كدراسة جادة حول الفرص الواعدة مع هذا الفتح الجديد.. تعلموا من جيراننا.
ثم سؤال آخر بالمناسبة متى كانت آخر مرة أسس فيها لمشروع صناعي كبير كألبا والبتروكيماويات يوطن الصناعة عندنا ويخلق فرص عمل؟ متى كانت آخر مرة استثمرنا عوائدنا داخل البحرين بمشاريع رئيسة تقوم عليها اقتصاديات دول؟
نسمع عن مدن طبية، جزر طبية واحات طبية ثم لا نرى شيئاً منها، حتى الموجود من المشاريع لا يسوق له بشكل جيد، مشاريع إعادة التصنيع بالمؤسسات المتوسطة والصغيرة قصة أخرى لإعادة تصنيع المواد الخام من غاز ومشتقات نفطية، متى كانت آخر مرة فتحت فيها مصانع وورش كبيرة؟ كيف اختفت وزارة للصناعة من تشكيلتنا الحكومية وأصبحت جزءاً من وزارة؟ والوزير الذي يجمع الاثنين يقضي جل وقته في افتتاح (برادات) وبوتيكات بدلاً من افتتاح مصنع كبير؟
غياب رؤية شاملة لمستقبل الصناعة في البحرين وغياب تصور شامل لجدوى مشروع الجسر يجعلنا نشك في إدراك أهمية الجسر الجديد وإمكانية الاستعداد له.