في فبراير 2011 كانت محاولة انقلابية طائفية عنصرية استخدمت «العنف» ولغة «التسقيط» لكن المهزومين صوروها بأنها حركة عادلة استخدمت الورود وتغنت بالكلام المعسول
لا أحد بالضبط يعرف أصل الجملة الشهيرة «التاريخ يكتبه المنتصر»، لكن المعروف والمتداول أنها اشتهرت على لسان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل، واستخدمها أيضاً الزعيم النازي أدولف هتلر.
وبغض النظر عن النقاشات العديدة التي برزت لتقوي أو تدحض أو تختبر مصداقية المقولة، وما إذا أن التاريخ الإنساني كتبه بالفعل المنتصرون وقرأه المهزومون، أو أن المهزوم كان له حق أيضاً في كتابة التاريخ من وجهة نظره، رغم ذلك، فإن في المحصلة النهائية سيكتب التاريخ لكن جزماً لن ينقل بشكله المجرد وحقيقته التامة، وهذا بناء على من يكتبه!
لكن الفكرة هنا تكمن بأن المنتصر في أي معركة أو مناورة أو سجال أو نقاش أو.. أو.. الخ، هو من يتحكم بسير الأمور، وهو من يشكل تداعياتها في المستقبل.
بالتالي السؤال الذي يبرزهنا هو؛ كيف تنتصر؟! وبناء على ذلك كيف تكتب التاريخ وتوثق انتصارك؟!
تشرتشل نفسه -خلال الحرب العالمية- شرح الآلية التي توصلك للانتصار، لكن عبر وصف من أوصافه «قوية الوقع»، إذ قال بأنك «إن كنت ذاهباً إلى الجحيم، فواصل المسير»، والفكرة نفسر هدفها هنا، بأن القصد منها أنه لو كنت مقتنعاً من قرار اتخذته وجاء بعد تقييم ودراسة، فإن عليك المضي قدماً لتنفيذ هذا القرار وتواصل حتى النهاية، لأنك لو تراجعت خطوة واحدة «فقط خطوة واحدة» فهذا يعني أن لديك شكاً في قرارك، هذا يعني أن تراجعك قد يفسر على أنه اعتراف بارتكاب خطأ، وهنا تقع أكبر مشكلة بالنسبة لصراع بين أطراف وأضداد، فهي تلك التي تحول موازين القوى وتخل تماماً بها، وهي التي قد تحول صاحب الحق إلى صاحب الباطل، بالأخص مع المؤثرات العديدة من إعلام وحراك مؤسسات مختلفة هي -في هذا الزمن- اللاعبة في كتابة التاريخ، وأحياناً المنكبة على «تزييفه».
هذه ثوابت في علم الإدارة واتخاذ القرار وهي تشكل أسسا راسخة لبناء السياسة القوية. فالذهاب بلا تردد إلى وجهة معينة، يرمز للقوة والثبات، وعدم التردد يعني أن الخطوة خطط لها بشكل حصيف متقن حكيم، وعليه فإن السائر على هذه المعادلة، دائما تكون له «اليد الطولى» في أي صراع أو مواجهة أو اشكال. الثابت على أرض قوية، الرافض للقبول بالخطأ والباطل هو من يفترض به أن ينتصر، وهو من يفترض به أيضا أن يكتب التاريخ.
في فبراير 2011 كانت هناك «محاولة انقلابية»، المهزومون فيها استماتوا ليبرزوها عبر الإعلام ووسائل التواصل والمؤسسات المختلفة على أنها «ثورة»! كانــت محاولــــة «طائفيــــة عنصريــــة» استخدمت «العنف» ولغة «التسقيط»، لكن المهزومون صوروها بأنها حركة عادلة استخدمت الورود وتغنت بالكلام المعسول. كل ذلك حصل لأن المنتصر لم يكتب التاريخ حينها! لأن المنتصر حينما اتخذ خطواته الواثقة عبر إجراءات -يفترض بأنه مقتنع بها- لم يواصل الطريق إلى النهاية كما قال تشرتشل، بل وقف ولم يكمل، وبقية السيناريو معروف للجميع منذ تلك اللحظة حتى وصولنا للحظات اليوم.
نقول ذلك، فقط لنبين بأن صاحب القضية العادلة وصاحب الحق وصاحب اليد الطولى والمنتصر على فئة أرادت الانقلاب على وطنها والتمييز بين أهله وقالتها بصريح العبارة «اسقطوا، ارحلوا .. الخ»، صاحب الحق هو الذي عليه التحكم بكيف تسير الدولة وفي أي اتجاه. هو الذي يحق له وضع شروط اللعبة، ومن يريد اللعب فيها عليه اللعب بقوانينها وإلا ليبقى خارجها فلا مكان له. لا مكان لمساومة، ولا مساحة لابتزاز. هذه هي القوة النابعة من عدالة الموقف والقضية.
لذلك حينما تمضي إلى آخر الطريق بكل ثبات وقوة، حتماً ستنتصر إن هيأت جميع الظروف المحققة للنصر، وبعدها أنت من يحق له كتابة التاريخ، وما دونك سيكتبه بطريقته وبوجع الألم والانهزام، ومع المهزوم يمكن للتاريخ أن يُحرف ويتغير حفظاً لماء الوجه طبعاً!