منذ أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله عن فكرة «الاتحاد الخليجي» وهناك «حالة ارتباك» تعيشها جهات خارجية وجماعات وأفراد، واضح تماماً بأن أي تقارب خليجي يقلقهم، وأن أي حالة اتحاد تكون السعودية فيها طرفاً مؤثراً هو مصدر ضيق لهم.بالنسبة لجمعيات التحريض والتأزيم لدينا في الداخل، نعرف تماماً مشاعرهم تجاه الشقيقة السعودية، فهم من وصفوا قواتها المشاركة في «درع الجزيرة» التابع لمنظومة الخليج العربي بقوات «احتلال»، وهم الذين وازوها بإيران التي يتبعونها ولائياً وسياسياً «رغم نفيهم المستميت لذلك» بل قالوها بصراحة تعقيباً على انتقال درع الجزيرة للبحرين بأنهم سيطلبون عون مرشدهم الأعلى الإيراني وقواته. هؤلاء يسوؤهم الارتباط القوي بين السعودية والبحرين، وزيارة سمو رئيس الوزراء حفظه الله الأخيرة للشقيقة المملكة وما تضمنته محادثاته مع ولي العهد السعودي بالضرورة أصابتهم بـ«قلق» متراكم من رؤية هذا الاتحاد متحققاً على أرض الواقع، ولو كان بين المملكتين كخطوة أولى.الكلام كان واضحاً ولا يشكك فيه إلا من يريد «سلخ» نفسه عن المنظومة الخليجية لأغراض وأهداف شخصية، القول بأن «أمن البحرين وأمن السعودية كل لا يتجزأ، وأن الاتحاد قضية مصير لا تقبل التأجيل في ظل التحديات المحيطة»، قول لا يختلف عليه إلا من يريد رؤية دول الخليج العربي بلا وحدة وبلا قوة وبلا إيمان بالمصير المشترك.أكبر الخائفين كانت ومازالت إيران، صاحبة مشروع التوسع الصفوي في المنطقة عبر زرع أذرع لها تسبب الفوضى والقلاقل في منطقة الخليج. هم تظاهروا في طهران فور إعلان فكرة الاتحاد. أخذوا يهاجمون السعودية ويتهمونها بالسعي لابتلاع البحرين والكويت، في حين أن التهديد الصحيح هو «هوس ابتلاع الخليج بأكمله» من قبل أتباع المرشد الإيراني وجمهوريته.الكاتب الإماراتي سالم حميد شخص حالة «الاتحاد الخليجي» وبين بأن البحرين من مصلحتها أن تكون ضمن اتحاد فيه السعودية لحماية نفسها من الحملة الإيرانية وأطماعها، وأنه يمكن تحويل مجلس التعاون لقوة عسكرية واقتصادية كبيرة، مبيناً أن تطوير المجلس خطوة مهمة في سبيل تحقيق فيدرالية خليجية قوية، رغم أن التوحد يواجه معوقات عديدة.حميد بين بأنه من الناحية العسكرية فإن الإمارات قادرة على إبادة إيران عن بكرة أبيها في غضون أيام فقط، وكذلك السعودية قادرة على مسح إيران من الخارطة في غضون يومين فقط. متسائلاً: إذاً لماذا كل هذا التخوف من دولة مارقة مثل إيران ونحن قادرون على تدميرها بسهولة؟!لكن هل إيران وأتباعها وطوابيرها الخامسة وحدهم الخائفون من قيام اتحاد خليجي؟!طبعاً الإجابة بلا، ومقابلها يبرز سؤال من منظور غربي يقول: هل تظنون بأن الغرب سيرغب في ترك دول الخليج العربي في حال سبيلها تعيش بهدوء؟!الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك سييل والذي تهتم بطباعة مؤلفاته جامعة «كيمبردج» الشهيرة، يتساءل هنا: ما الذي يدفع دول الخليج للتفكير جدياً في المسألة؟! ما الدافع؟!يحلل الموضوع ببيانه أن إقليمنا يدخل طوراً جديداً من «اللامعلوم» بسبب تنامي خطر المشاريع التمددية القائمة على تفكيك الدول. وأن الملك عبدالله كان مدركاً في طرحه بأن الاتحاد سيعطي الخليج العربي صوتاً أقوى وحجماً أثقل، وسيعزز من قدرته على حماية نفسه من الأطماع العديدة، وأن الحرص سيكون بتعزيز حرية الشؤون الداخلية للدول في مقابل التركيز على التوحد في السياسات العامة لمواجهة الأخطار، وهذا هو الهدف.القلقون من الفكرة، لعبوا على اختراع «وهم» السطوة السعودية بما يقلل من شأن كيانات خليجية تنامت وتطورت، وهذا في إطار سياسة فرق تسد. وهنا التساؤل المهم، إذ إن ساءت الأمور -لا سمح الله- بين السعودية وقطر، أو الكويت وقطر أو البحرين والسعودية أو أي دولتين خليجيتين، فمن المستفيد؟!وهنا نقول بأنه إن كانت من جهة تفكر بأنها بمنأى عن «البلع» فهي تقامر، إذ ما الذي يمنع من قام بابتلاع كيان تلو الآخر أن يقف عند حد معين؟!تأثير الربيع العربي قد يقف حائلاً أمام الخطوة للأسف، فاقتصاديات الدول التي شهدت هذه الفوضى قد تأثرت بشكل خطير، إضافة لفهم خاطئ يتمثل بأن على الدول أن تحرص بشكل فردي على تأمين نفسها، ويتم ذلك بالاستعانة بالغرب والأجانب، لا عبر التعاضد العربي. وطبعاً هناك من يزرع بذور الشك بين هذه الدول ويؤلبها على بعض.سييل يورد بأنه في العام 2010 بلغ إجمالي الدخل القومي في دول مجلس التعاون 1.3 تريليون دولار، وعليه فإن الخليج يمكن أن يكون قوة اقتصادية كبرى، بل يمكنه أن يدعم العرب بالأخص الدول الأقل وفرة مالياً، وذلك من خلال فكرة إنشاء بنك عربي لإعادة الإعمار والتطوير، على غرار ما فعلته أوروبا عبر بنكها لإعادة الإعمار والتطوير والذي استفادت منه دول شرق أوروبا وحتى روسيا نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.سبب آخر لتعزيز فكرة الاتحاد الخليجي، هو التغير الواضح في السياسة الأمريكية، باتجاه دول الشرق الأوسط، من منطلق أن من لا تستطيع أن تسيطر عليه واشنطن بشكل تام عبر الدبلوماسية الحديثة والعلاقات، فإن الحل الوحيد هو إشغاله في نفسه، وفتح باب واسع من المشاكل عليه، وتحريك كل ذلك داخلياً من خلال الطامحين لاعتلاء المواقع الأمامية بدلاً من الأنظمة الموجودة حالياً.الحسابات الأمريكية اختلفت، في السابق كانت تفكر في تداعيات التغيير، لكنها اليوم لا تتوانى عن التغيير وبعدها التقرير في كيفية التصرف مع الصاعدين الجدد.حقيقة مهمة هنا بحسب الباحث سييل تتمثل بأن الولايات المتحدة أصبحت أقل اعتمادية على النفط والغاز الخليجي، فهناك صناعات نفطية صاعدة تستفيد منها واشنطن الآن في البرازيل وكندا وحتى الولايات المتحدة نفسها، وهو ما يغير النظرة الأمريكية بشأن موقع اهتماماتها. وبناء على ذلك يقول بأن العرب عليهم ألا يستغربوا إن شهدوا في السنوات القادمة تقليلاً في عدد القوات الأمريكية في الخليج. ففي النهاية أمريكا تعمل على تعزيز الانقسامات في الدول العربية، الصراعات الإثنية، تأجيج صراع السنة والشيعة، إقلاق الأمن القومي في الدول، وبهذه الأساليب تضمن لها تواجداً وتعزز لنفسها السيطرة.لهذه الأسباب الاتحاد الخليجي سيظل «بعبعاً» يخيف هؤلاء الطامعين باختلافهم، ومتى ما تحقق، فإن أوراق اللعبة السياسية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط ولربما العالم العربي سيتم خلطها مجدداً، وهذه المرة لصالح الخليجيين والعرب.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90