من قواعد الثورات والاحتجاجات العنيفة أن تسبق مرحلة من التطرف الفكري والسياسي يسيطر على الجماعات والأفراد في المجتمعات. وهذا ما نشاهده اليوم في البحرين، فالتطرف الفكري تجاوز الجماعات الدينية المتطرفة مثل جماعة ولاية الفقيه، وانتقل للأفراد الذين اقتنعت شريحة منهم بالأفكار المتطرفة ودفعتها هذه القناعة إلى الالتحاق بجماعات متطرفة في الأراضي السورية والعراقية.
هذه الحالة ليست بجديدة، إذ سبقتها حالات أخرى في ثمانينات القرن العشرين عندما التحق شباب البحرين بالجهاد في أفغانستان، ثم انخرطوا في جماعات متطرفة هناك. وكذلك الحال للعديد من الشباب البحريني الذي توجه للدراسة في إيران ولبنان فوقع ضحية تطرف أيديولوجيا وجماعات ولاية الفقيه هناك.
حالة التطرف الظاهرة اليوم تشمل مجموعة من الشباب المغرر بهم دينياً ليمارسوا الإرهاب باسم الحقوق والمطالب والديمقراطية داخل البحرين. ومجموعة أخرى من الشباب تطرفوا وتم استغلالهم تنظيمياً فانضموا لمنظمات متطرفة مثل (داعش وجبهة النصرة وغيرها).
هذه المؤشرات والحقائق جاءت بعد أن صار المجتمع المحلي بيئة خصبة للتطرف، خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة التي عصفت بالمجتمع وأثرت كثيراً في الفكر والسلوك للفرد قبل الجماعة.
هناك شعور رسمي بمخاطر هذا التطرف وتداعياته مرحلياً أو حتى مستقبلياً. وهناك إجراءات اتخذتها وزارة الداخلية للتعامل مع هذا التطرف والشباب الذي انخرط في الجماعات المتطرفة بالداخل والخارج، وهناك خطة للتعامل مع موجة الإرهاب القادمة من الشمال العربي. ولكن حتى الآن من غير المعـروف أبعاد ظاهرة التطرف في البحرين، من حيث الأسباب، ومن حيث الدوافع، والمؤثرات، والمحركات، وتحديد طبيعـــة القيـــم المتطرفـــة، واتجاهـــات التطــــرف، ودور المنابـــــر والخطــــاب الدينــي في هذه الظاهرة. وكذلك الجماعات التـــي تستهدف تجنيد كوادر متطرفة، وأعمار الجمهور المستهدف بالتطرف، وظــروفهـــــم الاجتماعيــة والاقتصادية، وتأثير ذلك على الثقافة السياسية البحرينية، والسلوك السياسي المحتمل خلال السنوات المقبلة نتيجة هذه الظاهرة.
هذه الأسئلة الهامة تحتاج إلى إجابات دقيقة، وقبل ذلك مسؤولية من إحدى الجهات الرسمية، وقد يكون معهد البحرين للتنمية السياسية من أبرز الجهات المعنية بتنفيذ دراسة ضرورية الآن للوقوف على حجم هذه الظاهرة وأبعادها، وتحديد طرق الحد منها والتقليل من تأثيراتها المختلفة.