لفتني العنوان الذي اتخذته «المعارضة» لواحدة من فعالياتها «الرمضانية»، حيث أطلقت على إحدى عمليات اختطاف الشوارع والتسبب في أذى المواطنين والمقيمين اسم «يا قمراً تهشمت أنواره» ، فالتعبير هنا -بغض النظر عن موضوعه- جميل ويبدو أن صائغه يمتلك حساً أدبياً رائعاً وقدرات لغوية راقية، فالجملة غير عادية بالمرة، أما عيبها فهو أنها وضعت لعملية لا يتردد المرء عن وصفها بالإرهابية، حيث تعطيل حياة الناس بإشعال النيران في إطارات السيارات وإرباك حياتهم وتعريضهم للخطر، ودون مراعاة حتى لشهر رمضان، الذي هو شهر الله لا يمكن إدراجه إلا تحت عنوان الإرهاب.
عنوان جميل؛ ولكن لفعل لا يمكن أن يوصف إلا بالقبح، ولا يمكن أن يطلق على فاعليه إلا أقذع الصفات، ذلك أنه لا يمكن في كل الظروف إطلاق صفات جميلة على فعل يتسبب في أذى الآخرين مهما كان ذلك الأذى بسيطاً.
هذا التناقض بين العنوان والممارسة ليس الأول الذي تقع فيه «المعارضة» ولن يكون الأخير، فكثير من ممارساتها تتضمن نقيضها في ذاتها، ويكفي ملاحظة تصريحات بعض قادتها التي تقودك إلى انتقاء أجمل الأوصاف لتطلقها عليها وعليهم ثم ملاحظة الأفعال والممارسات النقيضة لتصريحاتهم، ولعل أقرب مثال على هذا هو رفعهم لشعارات السلمية وممارستهم العنف بأشكاله.
بالتأكيد ينبغي أن نفرق بين نوعي «المعارضة»، فما يتم ممارسته في الشوارع دون مراعاة أي حرمة ليس هو من فعل الجمعيات السياسية (هكذا أفترض) التي يختلف تفكيرها عن تفكير أولئك الذين لا علاقة لهم بالسياسة وأقحموا أنفسهم فيها عنوة وينفذون أجندة باتت مفضوحة، لكنها -الممارسات- تظل محسوبة عليها، خصوصاً في هذه المرحلة التي أبدت فيها الحكومة مرونة كبيرة وأرسل قادة البلاد من أجلها العديد من الرسائل المهمة والمشجعة على الدخول في المرحلة الجديدة الرامية إلى إغلاق هذا الملف.
سكوت الجمعيات السياسية (الوفاق ومن معها) عن هذا الذي لا يزال يحدث في الشوارع ويستمتع فاعلوه بممارسته يضعها في دائرة صعبة، حيث تبدو وكأنها جزء من الممارسين لذلك التناقض، وهذا أمر ليس في صالحها وعليها الانتباه له جيداً. إن جمعيات سياسية تضم عناصر لا يختلف على كفاءتها وخبرتها في مجال العمل السياسي والتنظيمي يفترض أن تكون قادرة على الاستفادة من التطورات الإيجابية، خصوصاً تلك المتمثلة في التصريحات الداعية إلى المشاركة في المرحلة الجديدة التي تبدأ بالانتخابات النيابية والبلدية ولا تنتهي بها.
إن كل ما يقوم به ذلك البعض غير القادر على استيعاب ما يفعله من ممارسات مؤذية للناس وتتسبب في الفوضى وتفضي إلى العنف وإن كان بسيطاً محسوب على الجمعيات السياسية التي تنضوى تحت عنوان «قوى المعارضة الوطنية»، ولأن اللحظة تاريخية لذا فإن موقفها السالب يكون محسوباً عليها ولا ينفع معه كل تبرير.
ليس أفضل من هذه الظروف التي هيأتها الدولة أخيراً لتؤكد من خلالها الجمعيات السياسية قدرتها على العمل سياسة ووضع حد لسلبيتها المتمثلة في الاستجابة للداخلين الجدد في هذا العالم ممن لا يزالون غير قادرين على الانتباه إلى أنهم يرفعون شعارات جميلة ويمارسون أفعالاً قبيحة.
مهم جداً تحرر الجمعيات السياسية من ربقة ذلك البعض الذي تحكم فيها طويلاً حتى وضعها في موقف لا تحسد عليه وأفقدها القدرة على أن تشتغل سياسة وشوه سمعتها وأوصلها إلى مرحلة لا تعرف فيها كيف تتخذ القرار وكيف تقتنص اللحظة، وهما صفتان أساسيتان من صفات السياسي الذكي.
إن أرادت الجمعيات السياسية المعارضة أن يكون لها دور في إخراج البلاد من هذه الأزمة التي عصفت بها في السنوات الثلاث الأخيرة فإن عليها أن ترفع شعارات جميلة وتمارس أفعالاً أجمل.