في غزة فتحت الكنيسة أبوابها وتحولت من معبد إلى مكان للجوء، وهي الآن تستضيف العشرات من العائلات الفلسطينية التي لم تجد مأوى بعد أن هدمت بيوتها، بالمقابل في الموصل تم تخيير العائلات المسيحية بين الجزية أو المغادرة أو القتل.
وإلى غزة جاء الدكتور ماس غيلبرت من النرويج، وهو بروفيسور مسيحي متخصص في الجراحة والطواريء، وكان يشغل منصباً مهماً في بلده ولكنه قرر أن يغادرها وأن يعمل في مستشفيات غزة متطوعاً، وأن يقبل الأطفال لحظة وفاتهم والأهم أنه قدم كتاباً مهماً اسمه (عيون على غزة) روى فيه تجربته عن الحرب هناك في العام (2008) وكان كتاباً مؤثراً في أوروبا، وتسأل في لحظة ما الذي دعا هذا الرجل لأن يكون بهذا الحس العالي من الإنسانية؟
في الموصل.. لا يوجد مسيحي طارىء ولا لاجىء، هم أهل العراق منذ مئات السنين، وعاشوا مع الناس هناك وكانوا أحراراً في معتقداتهم وفي صلاتهم وفي بناء كنائسهم، ولكنهم بلحظة أصبحوا كفرة، ووجبت عليهم الجزية، ثم شردوا من منازلهم وجردوا من كل ما يملكون.
لا يوجد في القواميس إسلام سياسي واخر إقصائي، لا يوجد إسلام مدني متطور واخر غير ذلك.. الإسلام واحد، هو رسالة تسامح ورسالة إصلاح.. ورسالة قبول للآخر وتعايش معه، ولو أمعنا قليلاً في الأخبار التي ترد من غزة في دور الكنيسة هناك وفي دور الناس التي جاءت من أوروبا وتجاوزت المعتقد والدين وفروقات الأصل والثقافه ستنكتشف أن ما يوحد البشر في لحظة هو البعد الإنساني والشعور مع الآخر.
لماذا يوحد الإسلام الناس في غزة؟ ولماذا تشترك الكنيسة في لثم الجرح؟ بالمقابل؛ إسلام الخلافة في الموصل يقطع الرأس ويهجر الناس؟
الإسلام الموجود في الموصل هو صورة سيستخدمها الغرب ضدنا.. وسيوظفها بطرقه الخاصة، ونحن في عملية تهجيرنا للمسيحين في الموصل إنما نقدم ذريعة له بأننا نقصي الآخر ونحب الدم ونتوق للعنف.
لا أعرف يا ترى ما هو موقف داعش من الدكتور ماس غيلبرت النرويجي الذي لم ينم منذ (8) أيام في غزة، والذي يقوم بمداواة أطفالها ويدافع عنها كأنها وطنه؟ هل يا ترى لو ذهب لمداواة الناس في الموصل.. سيقام عليه الحد؟ ولا أعرف ما هو موقفها من الكنيسة في غزة والتي تحولت لمركز إيواء وتحول كهنتها لطهاة وخدم يقومون على رعاية الناس وتقديم الإفطار لهم؟ وهل سيعتبرونها كافرة مرتدة؟
ليس وحدهم الأطفال في غزة من يذبحون؛ فالدين يذبح أيضاً باسم إقامة شرع الله، والإنسانية تذبح باسم إقامة شرع الله أيضاً.. ونحن في حالة من التوهان فقط ولا ندري ما القادم؟

- عن جريدة «الرأي» الأردنية