تعدت التغريدات على كافة المستويات، ووصلت حتى مستوى كبار مسؤولي الدولة وما يدور بينهم وبين المواطنين أو تبادل تغريدات مع ما يطلق عليهم قادة «المعارضة»، وهو أمر ذات حدين، فهو مستحسن من باب التواضع ومن باب مشاركة المواطنين في آرائهم ومناقشة قضايا سياسية، ولكن نأتي إلى نقطة مناقشة القضايا السياسية الحساسة وفي هذا الوقت بالذات التي يجب على مسؤولي الدولة أن يحسبوا حساباً بأن هناك خطاً فاصلاً بين مسؤول كبير كلمته محسوبة على الدولة، سواء كان سجالاً يمس قضية «ساخنة» يترتب على تعليق المسؤول كثير من التساؤلات، خصوصاً إذا كان جداله في القضية لا يتعلق به كمسؤول عن وزارة معينة يجب أن تحتفظ بهيبتها في الداخل والخارج، كما أن القضية هي من اختصاص جهات حكومية أخرى، هي المسؤولة أن تتولى الفصل فيها دون الحاجة إلى «تغريدات» أو تعليقات تعود في الأخير بالضرر على المستوى الشخصي وعلى هذه المؤسسة الحكومية، ويترتب عليها تبعات حين يكون لها تأثير نفسي على طرف سواء كان هذا الطرف سنياً أو شيعياً.
وكذلك بالنسبة لتغريدات مسؤوليين ذي علاقة بالقضية، وكان الأفضل من ألا يكون لهم تعليق أو تصريح على «تويتر»، لأنه في الآخر تسجل عليهم «التغريدة» كجهة مسؤولة تتحمل نتيجة التصريح، لأن هذا المسؤول صرح بصفته الرسمية وليس كمواطن أو تحت اسم وهمي، وها نحن نرى السجال والكل يتفرج ونتساءل؛ أين هيبة الدولة التي تتمثل في مكانة هذا المسؤول الذي يجب أن يفكر ألف مرة قبل أن يصدر منه أي تصريح على صحيفة أو في مقابلة على قناة فضائية أو إذاعية؟ فكيف بهذا المسؤول يكون متواجداً على «تويتر» يغرد في شتى القضايا السياسية والاجتماعية وتخرج منه التغريدة حسب ما يراه من وجهة نظره الشخصية، بالرغم أنه شخصية تمثل الدولة، سواء كان هذا المسؤول وزيراً أو وكيلاً أو سفيراً أو أي وظيفة رسمية، ونحن هنا ما علينا من الطرف الذي يساجله أو القضية المطروحة، بل يهمنا هيبة الدولة التي يجب أن تكون في صون من أولئك الذين قد يعتادون على المساجلة مع هذا المسؤول، وبهذا تفتر هيبته ومكانته وتصبح بعدها تصريحاته لا قيمة لها، لأنه أصبح حاله حال «القروبات» أو أي مغرد عادي.
هنا لا بد أن نذكر بعض ما جاء في عواقب كثر الكلام، والتي اليوم تدخل من ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لا خير في فضول الكلام»، وقال عطاء: «كانوا يكرهون فضول الكلام وقال: بترك الفضول تكمل العقول»، كما قال الشافعي رحمه الله:
خير فـي حشـو الـكـلام
إذا اهـتـديت إلى عيونه
والصمـت أجمـل بالـفتـى
من منطـقٍ فـي غـير حينه
كما قال أيضاً:
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتةٌ؟
والكلب يخسأ لعمري وهـو نباح
وقال القاسمي رحمه الله في «جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب» إياك وفضول الكلام، فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن، فكلام الإنسان بيان فضله وترجمان عقله، فأقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل».
إذاً اليوم وقد تعدى الكثيرون على هيبة الدولة وكثرت التجاوزات والتطاولات من أقزام الناس الذين وجدوا الفرصة سانحة في مواقع التواصل الاجتماعي لينالوا من هيبة الدولة، وأنه بات اليوم على المسؤولين في المؤسسات الحكومية أن يختصروا تغريداتهم دون التطرق إلى القضايا السياسية، خاصة عندما يكون هناك طرفاً يحسب كل كلمة وتغريدة، وكذلك من المواطنين أولي الغيرة على بلدهم وسلامته أن يحسبوا كذلك كلامهم وأن يكون قلبهم واسعاً وأن يتحلوا بالحكمة لأن رب كلمة قد فجرت من الشر ناراً لا تطفأ.
واليوم ما أكثر المجادلين في حق وغير حق، وما أكثر أهل الباطل الذين يبحثون بين السطور وبين الكلمات وبين همزة القطع وألف الفصل لعلهم يجدون «عذراً» منه يلفقون ويزيدون في تقاريرهم، وها نحن نرى كم من التقارير حملت على تغريدة أو على مقطع «يو تيوب» لتكون ذريعة وشاهداً على مظلوميتهم وعلى ادعاءاتهم، وإن كان ما يقومون به من جرائم إرهابية أعظم جرماً وأشد ضرراً، إلا أنهم يبرؤون أنفسهم منها لأن غيرهم من يقوم بها، وهاهم يحاسبون على خطاباتهم فيقذفون منها السموم ويختمونها بعبارة «سلمية» وبدعوة «سلام» كاذبة لا تتعدى حبرها.
إذاً البحرين اليوم بحاجة إلى مسؤولين يفعلون لا يتكلمون، وأن يدعوا الكلام الذي لا خير فيه، وإن كان لا بد أن يتكلموا فليتكلموا بخير الكلام المختصر الذي ليس فيه رد ولا عليه أخذ.