يبدو أن كل المؤسسات والدوائر والإدارات والبنوك والشركات كلها مخترقة، وذلك حين يتم تناقل وثائق رسمية وبطاقات هوية وحسابات بنكية، مما يجعل المواطن غير آمن ليس على حياته التي يتهددها الإرهاب؛ بل حتى خصوصياته وأسراره الشخصية، كما إن مستندات الدولة أصبحت مكشوفة وخرائطها معروفة وأوراقها منثورة على كل موقع اجتماعي.
هذا ما يظهر لنا، أما ما خفي فهو أعظم حين تنقل الأقراص المدمجة ما تحويه الحواسيب وسجلات الدولة، فماذا بقي للدولة من أسرار أمنية أو كشوفات اقتصادية أو استثمارات مستقبلية مادامت الأوراق كلها مكشوفة أمام الجميع، وتصبح القضية عدم الحاجة لمعرفة رقم سري لحاسوب أو تجوري، فالأوراق والأقراص منسوخة بكل شكل وطريقة.
نتحدث هنا عن جهاز المساحة الذي تم اختراقه بعد أن تحولت المستندات والوثائق من مسؤول إلى موظف، ثم تمر على الموظف والمراسل لأن العملية تبدأ بسلسلة إجراءات حتى مواعيد المسح وهكذا تتداول المعلومات. القضية ليست محصورة في جهاز المساحة، بل حتى البلديات والإسكان، هناك خرائط تتداول بين مسؤولين ومواطنين لتحديد الأراضي غير المملوكة، والأمر لا يقتصر عن تحديد أرض بل يتعدى ذلك لبيان أسماء الملاك الآخرين للأراضي أو المنازل، وهكذا تكون البحرين مكشوفة من رأس البر حتى المحرق، كذلك الأمر بالنسبة لعناوين المواطنين وأسماء الضباط والأفراد، وقد كشفت لنا التجربة الانقلابية حجم هذا التسريب، وكذلك بالنسبة للمعلومات البنكية، ونذكركم بالمعلومات البنكية التي تم نشرها بدقة وتفصيل، كذلك بالنسبة لهويات المواطنين التي صارت تتداول للتندر والتحريض والفتنة.
القضية كبيرة ومتعددة الأطراف ومتداخلة الجوانب، ولا يمكن حصر الاتهام في شخص مسؤول أو موظف عادي أو مراسل، لأنه كما يبدو المؤسسات جميعها مخترقة من قبل أشخاص ضيع بعضهم الأمانة، ومنهم من يعمل لجهات معادية، فالوجوه متعددة والنفوس متغيرة، وذلك بعدما أصبح الناس سعداء بما يقرؤون، بل ويشاركون بتمرير المعلومات دون أن يضعوا في حسابهم أنها خيانة للأمانة، فالجميع مشترك في الإخلال بالأمانة، حتى لو قام الشخص بإعادة إرسالها ونشرها.
قد يكون الذين يتداولون المعلومات السرية وغير الخطرة سعداء بمعرفتها، لكن لم يدر في بالهم أن من سرب هذه المعلومات والوثائق قام بتسريب معلومات خطيرة تضر أمن البلاد، نعم تسرب لأعداء البلاد بالاسم والعنوان والصورة والخريطة والأرقام والحسابات والمخططات، كل شيء يذهب وبشكل يومي سواء المعلومات عادية أو سرية، فالذين يسربون المعلومات هم أعداء للوطن قد خانوا الأمانة وباعوا أنفسهم للشيطان مقابل بعض المال، وهذه حقيقة، إذ إن المعلومات لا تسرب إلا من موظف يقبض أو من موظف مشترك في مؤامرة انقلابية، هذه الحقيقة يجب أن يتداركها الشرفاء ومسؤولو الدولة.
مررنا بتجربة وشاهدنا كيف ضيعت الأمانة في كل المواقع، وكانت التجربة كافية لأن نتعلم ونتعظ، إلا أن ذلك تم طيه ونسيانه، وهكذا استطاعت هذه الخلايا أن تعيد نشاطها وتعمل بكل طاقتها، والتهمة لا تلتصق بمجموعة، خاصة بعد أن كثر المنافقون الذين يسعون ليكون لهم نصيب في السلطة والحصول على منصب، ولقد كشفت لنا النوائب المعادن وعرفنا الشريف من الخائن الذي يتربص بالدولة وبكل مواطن شريف.
تسريب المعلومات سلاح فتاك تفتت به الدولة ويمزق شمل أبنائها ويضعف مؤسساتها، فتصبح الدولة قابلة للتهشم في أي لحظة، لأن هذه المعلومات يستخدمها الأعداء ويتدارسونها من الناحية الاقتصادية والأمنية كي يضعفوا الدولة ثم ينقضوا عليها، بعد أن استطاعت هذه الزمرة الخائنة أن تثير السخط في نفوس المواطنين باتخاذ المعلومات والوثائق سلاحاً لإضعاف هيبة الدولة في عيون المواطنين.
الدولة اليوم بحاجة لإعادة النظر في مؤسساتها والبحث عن مواقع تسريب المعلومات، والتأكد من المؤسسات الحكومية والبنوك، التي هي أصبحت أكثر اختراقاً، كذلك بالنسبة للشركات الحيوية الكبرى.