الزمن لا يعود إلى الوراء، لكن الناس هم من يعودون إلى الوراء، وربما يصلون إلى حرب البسوس وداحس والغبراء، لنكاد أن نشارف على زمن الجاهلية، وذلك بعد أن غلبت النفس على العقل، وغلب الزهو على التواضع، وغلبت الأهواء على عامة المصالح، وغلبت الدنيا بزخرفها على حب الآخرة وجناتها، وها هي الصور التي نراها اليوم، وذلك عندما يتآكل بنياننا وتهد سقوفنا على رؤوسنا وبأيدينا، وذلك بعد أن نجح أعداء الأمة بتفتيت الوحدة الوطنية، حيث يرقص على رمادها الأعداء الجدد والقدامى والذين فتحت البحرين لهم الأبواب، هؤلاء الأعداء الذي يقول أحدهم «لن يتوحدوا».
نعم لقد عمل الأعداء ضد أهل الفاتح، ومعهم المنافقون الذين يتصيدون الفرص ويبحثون عن الشهرة والمال والمناصب، أولئك فقراء النفوس خبثاء القلوب الذين تجردوا من كل خلق، هؤلاء الذين لا يخجلون بظهور نفاقهم، وها هم يضربون بأقلامهم وبياناتهم ليقطعوا البحرين ويفككوا أواصر أبنائها، ومعهم الانقلابيون الذين فرحوا بعدما وجدوا من يقوم بالمهمة نيابة عنهم، وها نحن نشاهد ذلك عندما امتد «التلاسن» واشتد لدرجة تهدد بالقطيعة، وقطع أواصر النسب والمصاهرة والألفة والمحبة.
هي مثل حرب البسوس التي كانت بين الأحبة والأقارب، وها نحن مجتمع البحرين المتحاب المتواد، مجتمع البحرين الملتف حول قيادته يصيبنا شيء من هذا، فبعد النجاح الكبير والانتصار الفريد عندما وقفنا بصوت واحد وبقلوب مجتمعة وبنظرة شاخصة ندعو الله أن يحفظ البحرين ويحفظ حكامها وشعبها، وطالبنا بمحاسبة الخونة الذين قادوا المؤامرة الانقلابية ومن معهم من المنافقين الذين وجدوا أنها فرصة وغنيمة وليمهدوا الطريق للوصول إلى السلطة والمال، أولئك الذين يشعلون بأنفاسهم نار حرب البسوس كي يبنوا على رمادها مجدهم القذر الذي لا يقوم إلا بضياع الإسلام وهلاك أهله.
فعجباً من أمة استطاعت بصوتها أن تدمر أعداءها، فإذا بها اليوم تشتت أصواتها بعد أن سمعت أزيز الشياطين ونصائح السحرة المشعوذين الذين يخدعون الناس بالتلاعب بالألفاظ القانونية والبيانات الخداعة التي تختبئ وراءها أهدافهم المريضة، فهذه الوجوه القبيحة والألسن الخبيثة ينساق لها بعض البسطاء الذين لا يعلمون الحقيقة، وها نحن نرى بيانات الانقلابيين ومواقفهم التي لم يصدر منها شيء لنصرة مظلوم أو طلباً لعدل، وإنما وجدوا فيها ضالتهم لأنها تضرب الحكم وتفتت لحمة المجتمع.
ومع الأسف نجد من يستمع لهم ويعيد بياناتهم وينشر سمومهم بين الناس حتى تغسل العقل وتبدل المفاهيم، وبعدها يكون الطريق ممهداً لمؤامرة انقلابية جديدة وسترون ذات الوجوه تتصدرها طمعاً بأن ينالوا ما نال سنة العراق الذين اشتركوا في تصفية إخوانهم، عندما رضيت عنهم حكومة المالكي وكافأتهم بمناصب، هم نفس الأشخاص أنفسهم وإن اختلفت أشكالهم، إلا أنهم تخرجوا من نفس البيئة التي تربت عليها نفوسهم الدنيئة.
لكن يبقى الحق منتصراً، فقد كان أتباع نبي الله نوح قلائل ولكن الله أنجاهم من القوم الظالمين، وكذلك قوم موسى وعيسى، فأتباع الحق لا يقدر عليهم أحد.
وإن كنا ذكرنا الجاهلية بشر، فلابد أن نذكر ما فيها من خير، ها هو زهير بن أبي سلمى يقدم النصح ويحذر من العقاب والحساب يقوله:
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة
وذبيان: هل أقسمتم كل مقسم؟
فلا تكتمن الله ما في صدوركم
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
ليوم الحساب أو يعجل فينقم
حفظ الله البحرين شعباً وحكاماً وألف بين قلوبهم وكسر أعداءها وشتت شملهم ومزق كيانهم.