للسيد الخامنئي مكانة دينية معتبرة، وهو يجد الاحترام والتقدير -كعالم دين- من الجميع، بمن فيهم من يختلفون معه في الشأن السياسي سواء داخل إيران أو خارجها. وهنا في البحرين يجد علماء الدين جميعهم من الجميع كثيراً من التقدير وكثيراً من الاحترام، وانتقادهم ينحصر في مواقفهم وآرائهم السياسية، فليس بيننا من يتطاول على أي شخصية دينية مهما كان موقفه منها، فهذا من أخلاق أهل البحرين وأخلاق قادتها، لكن عندما يصير الديني سياسياً فإنه يفقد بشكل تلقائي شيئاً من الحصانة التي اكتسبها بسبب الديني، وهذا هو الحال مع السيد الخامنئي كونه اتخذ صفة السياسي إلى جانب صفة الديني، من دون أن يقلل ذلك من شأنه كعالم دين.
لكن لا هذا ولا ذاك يبرر لـ «المعارضة» في البحرين نشر ما قامت بنشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي إثر العملية الجراحية التي أجريت للسيد الخامنئي، فتحت عنوان «تهنئة للأمة الإسلامية بشفاء قائدها الفذ وربان سفينتها، ودوام صحته» كتب التنظيم (الذي ركزت الوفاق رايته في احتفال جماهيري قبل حين وأعلت من شأنه، وقال أحد قيادييها إنه ينحني احتراماً له وتبادل القبلات مع الملثم الذي أوصل إليه الراية) ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمدلله الذي منّ على الأمة الإسلامية بشفاء قائدها الفذ وربان سفينتها، التي يشق طريقها في عباب الأمواج العاتية إلى شاطئ الأمن والسلام والعزة والكرامة. فالشكر والثناء لله تعالى على نجاح عمليته الجراحية، ونسأله أن يبعد كل مكر وعن إنسان عيوننا وقرتها الإمام السيد علي بن السيد جواد الحسيني الخامنئيّ (دام ظله الوارف) ودوام صحته وعافيته، إنه سميع الدعاء». ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير، الثلاثاء 9 سبتمبر/ أيلول 2014م (البحرين المحتلّة).
رسالة حب وتقدير مارس من خلالها هذا البعض «حقه» في التعبير عن مشاعره تجاه من يعتبره مثالاً وقدوة، لكنها تحمل بين سطورها كلاماً لا يصعب على اللبيب فهمه، وهنا مربط الفرس، فمن يقرأ الرسالة يشكك في كل تصريحات «المعارضة» المتعلقة بنفي التهمة المتعلقة بالعلاقة مع إيران ونفي الحصول على الدعم بأنواعه من هذا البلد «الجار»، تماماً مثلما يشكك في كل تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن عدم تدخلهم في الشأن البحريني وعدم دعمهم لـ «المعارضة»، فمن يعتبر مرشد الثورة الإيرانية «قائد الأمة الإسلامية وربان سفينتها التي يشق طريقها في عباب الأمواج العاتية» والذي سيأخذها إلى «شاطئ الأمن والسلام والعزة والكرامة» لا يرتجي الخير من الآخرين، لا حكومة ولا غير حكومة، وهو ما يعني أنه يرفض أي حل وأي تفاهم ويرفض كل خطوة يؤمل منها أن تخرج البلاد مما صارت فيه، ويعني أيضا أن أمراً ما قد دبر بليل لم يعد بالإمكان السكوت عنه وصار لا بد من وضعه في الحسبان.
المفارقة أن من أجازوا لأنفسهم كتابة هذه الرسالة والتعبير بهذه الطريقة عن الولاء للسيد الخامنئي ودعوته بكل صراحة إلى ممارسة دوره في «الإنقاذ» ودعوته إلى «تحرير» البحرين عبر تذييل الرسالة بعبارة «البحرين المحتلة»، سينكرون على من ينتقدها وينتقدهم الدخول في هذا الموضوع وسيعتبرونه تجاوزاً وتطاولاً، وإن لم يتعرض لشخص السيد الخامنئي وحافظ على علو شأنه ومكانته.
هذه المفارقة أيضاً موضوع ينبغي مناقشته، ذلك أنه من غير المعقول أن يطالب ذلك البعض بالحريات وبإزالة كل الخطوط الحمر ولا يسمح للآخرين بممارسة حرياتهم فيعتبر انتقاد كل شخصية دينية وإن احترفت السياسة انتقاداً للديني وتطاولاً على الإسلام وتجاوزاً لما كان ينبغي أن يحدث ويستحق صاحبه العقاب.
الجانب الإيجابي المضيء في الرسالة المذكورة هو أنها كشفت الأوراق