بين رفضه الحوار الأول الذي دعا له سمو ولي العهد في مارس 2011 ودفعه للوفاق لتسحب كتلتها مــن المجلس السابق في يوليو من ذلك العام، وبين «تلحينه» وتهيئته لأتباعه بإمكانية قبوله العودة لدخول كتلته المجلس النيابي من جديد في خطبته الأخيرة في جامع الدراز، مرت البحرين بأبشع تجربة في تاريخها المعاصر لا داعي لسرد تفاصيلها فما زلنا نعايش تبعات تلك الآثار.
أربعــون عامــاً سلمت جماهير من الشيعة المؤمنـــة بولاية الفقيه وعصمته رقبتها ومصيرها ومستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة لهذا «القائد» الذي قبل بهذا المنصب واستلمه منذ عام 1973 بالشراكة مع الشيخ عبدالأمير الجمري، ثم جاءت الثورة الإيرانية فأصبح هو نائب عن المرجعية الإيرانية في البحرين ثم استفرد بالقيادة بعد وفاة شريكه، وحتى اليوم أي ما يقارب الأربعين عاماً، كان له فيها قرار الكتلة السياسية والجماعة بالتالي، وما كانت الجمعية ولا شوراها ولا المجلس العلمائي إلا شكليات، بل من تجرأ منهم بالمخالفة طرد كما تطرد المخلفات على حد قول أحد مؤسسي الوفاق تعليقاً على خروج أول المخالفين لها ممن سمي حينها «بالأفندية».
ومنذ ذلك الحين انفرد بالقرار بدعم كبير من خادمه وسيفه أمين عام جمعيته، ومنذ ذلك الحين جرّ تبعات قراراته المتصلبة لا على جناحه السياسي فحسب، ولا حتى على مقلدي مرجعيته الدينية (خامنئي) فحسب، بل جرها على كل شيعي في مملكة البحرين، وكل شيعي في دول الخليج العربي.
إذ يتحمل هذا الشخص مسؤولية كبيرة من مجريات أحداث البحرين التي تزامنت مع أحداث العوامية في المملكة العربية السعودية ووجدت الدعم المالي واللوجستي من مقلدي خامنئي والسيستاني من أهل الكويت، فانسحبت قرارات القيادات الدينية والسياسية البحرينية لهذه المجموعة على شيعة المنطقة كلها دون ذنب اقترفته هذه الطائفة ودون الأخذ برأيها في تلك القرارات، لكن المذكور كان يتحدث باسم الشيعة وها هي النتيجة.
لقد حالت قرارات هذا «القائد» بين اندماج أتباعه في الدولة أكثر مما حالت بينهم وبينها قصور أداء مؤسسات الدولة وأنظمتها وقانونها، فإن كانت هناك شكوى من تمييز أو من ظلم أو من أحوال معيشية فتلك قواسم مشتركة تجد ضحاياها من كل الأطياف والألوان، والبحرين دولة في طور التشكيل والانتقال، إنما نجحت كل الجماعات في الاندماج والانخراط في بناء هذه الدولة والاتكال على قانونها ومؤسساتها لتكون له مرجعية يحتكم لها إلا هذه «الجماعة» التي أصرت على الارتهان والاتكال على هذه «القيادة» المعصومة وراوحت في مكانها تقدم خطوة وترجع خطوات في قرار الاندماج وفق ما تراه تلك «القيادة»، فإن رأت القيادة التصويت بنعم على الميثاق صوتت، وإن رأت قيادته أن التعديلات الدستورية غير مرضية فالتعديلات الدستورية هي كما تراه تلك القيادة، وإن رأت القيادة المقاطعة قاطعت تلك الجماعة وإن رأت «القيادة» المشاركة شاركت، وإن رأت «القيادة» سحق رجال الأمن سَحقت وإن تحالفت تلك القيادة مع حكومة أجنبية أغوتها، وزينت لها الانفصال انفصلت، حتى انتهى الأمر بها إلى ما انتهت إليه ولا نريد أن نزيد من معاناتها التي تسببت بها قرارات «قيادتها» بتعداد عدد من مات ومن سجن ومن هرب ومن يشتكي مراً من العزلة والمقاطعة التجارية وغيرها من تبعات.
إنما نذكرهم فقط أن كل تلك المياه والفيضانات وهدم السدود جرت ومازال «القائد» صامداً في مكانه، والجماعة تستحي أن تقول له تنحَ وكفى ما جرته قراراتك علينا.