كنت قد سألت أحد الذين أعلنوا أنهم سيتقدمون للترشح لمجلس النواب عن سبب عزمه على الإقدام على هذه الخطوة فقال لي إنه بالإضافة إلى أن هذا حقه فإنه يجد في نفسه الكفاءة لخدمة الوطن عبر هذا الباب، وأضاف، أنا متخصص في مجالي ودراستي هي القانون وما أعرفه عن عمل مجلس النواب أنه في الأساس مجلس لتشريع القوانين وأن دور النائب بالإضافة إلى مراقبة أداء الحكومة والمال العام هو التشريع وليس تقديم الخدمات للناخبين حيث الأمر هنا يختلف عن دور النائب البلدي الذي أساس عمله هو السعي لتوفير الخدمات للمواطنين قبل التشريع، وشرح أن التشريع يحتاج في الدرجة الأولى إلى قانونيين وأنه لهذا يرى أن على من يرغب التقدم إلى الترشح للانتخابات النيابية لابد أن يكون لديه من العلم والمعرفة والخبرة في مجال معين يضيف إلى عمل المجلس المتمثل في الرقابة والتشريع.
من سألته قال لي أيضا إن اللافت في الانتخابات هنا هو أنه يكفي أن يكون المواطن يعرف القراءة والكتابة كي يرشح نفسه، وأضاف أنه حان الوقت كي يتغير هذا المعيار ذلك أن العلم والثقافة والمعرفة أساس مهم في هذه المسألة، من دون التقليل من أمر الخبرة الحياتية لدى المترشحين.
في العديد من الدول يشترط في المتقدم لشغل مقعد نيابي أن يكون حاصلاً على شهادة الدكتوراه وأن يكون قد قدم عملاً أضاف من خلاله مفيداً لوطنه ولمواطنيه. هذا أمر ربما يصعب تحقيقه هنا في هذه الفترة حيث الأمر مرتبط بحراك اجتماعي وسياسي وليس برغبة وقرار. لعلنا نصل بعد عشرين سنة من الآن إلى بعض هذه المعايير التي من شأنها أن تضمن وصول عناصر قوية ومؤثرة إلى مجلس النواب الذي بالفعل يحتاج إلى مختصين في مجالات بعينها وخصوصاً القانون.
هذه الحقائق توصل إلى حقيقة أخرى مهمة هي أن اللافت في البحرين أن مجلس الشورى أقوى بكثير من مجلس النواب، وهذه مفارقة، أما السبب فواضح جلي وهو أن مجلس الشورى الذي يتم تعيينه من قبل جلالة الملك يتم اختيار أعضائه بناء على أسس ومعايير مختلفة حيث يحرص جلالته على أن يضم المجلس متخصصين في مختلف المجالات الاقتصادية والقانونية والإعلامية والسياسية وغيرها، لذا فإن هذا المجلس يصير أقوى من مجلس النواب المفتوح لكل من لديه الرغبة في اكتساب عضويته وبالإمكان الوصول إليه من طرق عديدة ليس أولها العلاقات الاجتماعية وليس آخرها المساعدات الاجتماعية والعمل الخيري «يخبرني البعض أن نائباً يعتزم إعادة ترشيح نفسه يعتبر نجاحه مضموناً بسبب أن الدائرة التي ينزل فيها يشكل فيها أهله نسبة الربع ويشكل من يتواصل معهم اجتماعياً ويقدم لهم المساعدات باستمرار ويستفيدون منه في الأعمال الخيرية نصف عدد المسجلين في الدائرة» وهو ما يؤكد أن الشهادة والعلم والتخصص أمور ليس لها اعتبار كبير في مسألة الترشح لمجلس النواب.
المتابعون لملف الانتخابات النيابية المقبلة يلاحظون أن عدد من أعلنوا عن رغبتهم في الترشح يزداد يوماً بعد يوم ويتوقعون أن يكون لافتاً بشدة بعد فتح باب الترشح وقبل إغلاقه، حتى أن البعض علق بقوله إنه إن كان كل هؤلاء سيترشحون للانتخابات فمن بقي لينتخب؟
بالتأكيد جميل أن يحرص المواطن على التمسك بحقه في الترشح مثلما يتمسك بحقه في الانتخاب، فهذا استحقاق مهم جاء بعد عناء كثير وطول انتظار، ولكن مهم أيضاً ألا نعين من لا يمتلك العلم والخبرة والمعرفة والثقافة والقدرة على الدفاع عن مصالح المواطنين في الوصول إلى قبة البرلمان، فهذا المجلس يحتاج إلى من يضيف إليه وليس من يجلس في مقاعده يتابع ما يدور فيه وكأنه جالس في صالة سينما.