تتفاعل اليوم في أماكن كثيرة ما يشبه صراع الإرادات، أو صراع الضغط على الآخر لتقديم تنازلات، كل ذلك يحدث استباقاً لمرحلة الانتخابات، خاصة بعد حصول غزل متبادل بين طرفين كل منهما يريد أن يكسب شيئاً من الآخر حتى تتم الانتخابات بمشاركة الجمعيات الانقلابية وجمعيات «التبع»..!يوجد لدى طرفين، الدولة «ومن أتم محاولة الانقلاب بفشل كبير» رغبة مشتركة، هذه الرغبة المشتركة تتمثل في أن الدولة تريد الوفاق وبقية الأقزام أن يشاركوا، والوفاق من جهة أخرى تعلم حجم خساراتها، وحجم الخسارة الأكبر لو أنهم قاطعوا الانتخابات لمدة أربعة أعوام قادمة، من هنا فإن موضوع مشاركة الجمعيات الانقلابية في الانتخابات شبه محسوم ومؤكد.غير أن السؤال هنا: من الذي يأخذ من الطرف الآخر أكثر؟من المفترض أن تكون الدولة من بعد نجاح «سياسة العصا والجزرة» التي اتبعتها ضد الوفاق، خاصة في موضوع الحوار، فإن القوة اليوم لدى الدولة، والوفاق نفسها تعلم ذلك، لم تكن القوة غائبة يوماً عن الدولة، لكن من بعد أربعة أعوام أصبحت القوة والخيوط أغلبها في أصابع الدولة، لكن هذه الخيوط التي في أصابع الدولة ينبغي أن تحاك جيداً، وإلا فإن الخيوط ستتشابك ويصعب فكها..!لذلك فإن حدث وتم تقديم تنازلات قوية للطرف الانقلابي «الطبخات تجري في سرية» فإن هذا فشل في سياسة تقدير القوة والموقف، وفشل في قراءة أن الطرف الآخر يريد المشاركة بأي ثمن يلقى إليه، فهو في أسوأ حالاته داخلياً «بين أعضاء الوفاق ببعض، وبين جمعيات الأقزام، وبين الأطراف الأخرى المناوئة للوفاق في القرى وهي أعداد كبيرة».جزء من حالة الإحباط والتفكك، والاختلاف على السياسات هو اختفاء عبد الجليل خليل من المشهد، في وقت سافر فيه خليل مرزوق إلى أمريكا لإتمام «صيغة وكيفية إعلان المشاركة وثمن إعلان المشاركة مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي طرد من البحرين مؤخراً، بينما وردت أنباء حول طريقة تعامل الأمريكان مع خليل مرزوق في أمريكا، فقد وبخ الأمريكان المرزوق، وقالوا له حرفياً: «نحن لن نستطيع دعمكم وأنتم خارج اللعبة السياسية، يجب عليكم الدخول في الانتخابات حتى لا تخسروا مكاسب التغيير من الداخل».!!وإن صحت هذه الأنباء فإنها كارثة على الوفاق، أكبر من الكوارث التي حلت بهم، وهو يظهر أن الموقف الأمريكي تغير، وأن حاجة أمريكا لدول المنطقة البحرين والسعودية والإمارات في هذا التوقيت يجعل أمريكا ترفع يدها عن ممارسة الضغوط التي كانت تفعلها سابقاً.حالة الإفلاس ظهرت فيما يمارسه علي سلمان من الدعوة لمسيرة الجمعة القادمة، فماذا سيفيد أن تخرج الجموع لتمشي مسافات وتعود إلى بيتها وتتعشى وتنام، هذا لن يغير شيئاً من المعادلة، ولن يؤثر في شيء، كما أنه أسلوب قديم «للضغط في اللحظات الحاسمة» وهذا الأمر تجاوزته الدولة، مسيرة تخرج وستعود أدراجها وماذا بعد؟ أليس هذا جزءاً من الوهم الذي تبيعونه للناس؟لو خرجتم كل جمعة في تلك الشوارع لن يدري بكم أحد، فأنتم مثل الذي يظن أن صوته جميل ويغني لنفسه في دورة المياه «أجلكم الله».. يسمع صوت نفسه ويقول «الله.. يا سلام»..!!بعض الأنباء التي تسربت من أطراف مأزومة كان خبراً مفاجئاً ربما لشارع تلك القوى، فقد قال أحدهم: «إننا على استعداد تام للتعامل والتعاون مع رئيس الحكومة، مازال هو الرجل القوي، وإذا قال فعل»..!هذا ما تسرب من أنباء، وهذا يعني أن تلك القوى قد تقبل حتى بمناصب وزارية «وزير دولة، أو كما يسمى وزير من دون حقيبة» كل ذلك من أجل أن يوهموا الشارع أنهم حصلوا على مكاسب، ومن أجل ذلك شاركوا في الانتخابات.هذه التحركات من قبل أعضاء الوفاق تحديداً تثبت أنهم وصلوا إلى قناعة «غير معلنة للعامة و يظهرون نقيضها» وهي حتمية المشاركة في الانتخابات القادمة حتى لا يخسروا أكثر كما قال لهم العم سام، وأن رفع الصوت بالمقاطعة إنما هو لإجبار الدولة على تقديم تنازلات أكبر تحفظ ماء وجه الوفاق أمام الشارع، خاصة مع زيادة الحنق والغضب ضد سياسات الوفاق ونهجها، وبيعها لكل المطالب الكبيرة وقبولها بفتات ما يلقى إليها من الدولة. فقد أوهمت الناس أنها لن ترضى بشيء إلا أن تتحقق المطالب الكبيرة، بينما لا توجد مؤشرات على أن المطالب الكبيرة سيتحقق منها شيء، وهذا يشعل الشارع ضد الوفاق غضباً أكبر من الغضب الحالي المستشري.عولت الوفاق على عامل الوقت بعد الانسحابات من الحوارين السابقين، لم تحسب الوفاق الأمور جيداً، ظنت أن الظروف الإقليمية ستخدمها، وأن الدول التي كانت تدفع الوفاق من الخلف ستبقى كذلك، لكن هذه الدول تغيرت مواقفها، كما أن أمريكا تحديداً منشغلة عالمياً لتثبت أنها مازالت قوية ويمكنها لعب أدوار كما كانت تلعبها في ثمانينيات القرن الماضي، أمريكا منهكة من روسيا، ومن الصين، ومما يحدث في الشرق الأوسط من أحداث.كل ذلك كان ضد عامل الوقت الذي لعبت عليه الوفاق، وكانت هذه المراهنة فاشلة تماماً، وكان حساباً خاطئاً أدخل الوفاق نفقاً مظلماً يجعلها تقبل بأي شيء.بعد ذلك جاء فشل وفد الوفاق إلى جنيف، كانوا يظنون أن مجلس حقوق الإنسان سيضغط على البحرين أكثر من قبل، خاصة أن الجلسة كانت قبل أيام، وإن حدث ذلك فسيكون انتصاراً لهم يمهد للضغط على الدولة أكثر لإعطائهم نصيباً أكبر من الكعكة من التنازلات قبل الانتخابات.الحالة اليوم هي تشبه حالة من يدفع خصمه للدخول داخل القفص، الذي يدخل سيبقى يلعب في مسافات محددة، وهذا الطرف تشغله طريقة الدخول، وكيف تتم، وكيف سيقنع شارعه أنه منتصر، وهو داخل القفص؟ما أعلن عنه أمس من أن سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد حفظه الله اجتمع مع كبار الشخصيات بالمجتمع لإطلاعهم على ما تم التوصل إليه بشأن استكمال الحوار الوطني يظهر أن هناك تحركات تحدث، وأن إطلاق الحوار مجدداً قد يكون ضمن تفاهمات دخول الوفاق في الانتخابات، أو أنه أيضاً إحراج للوفاق في هذا التوقيت، فإن دخلت الحوار، فذلك يستوجب دخول الانتخابات، الأمران متلازمان، وإن رفضت الدخول في الحوار فسيكون بمثابة الهدية للدولة لتلعب بهذه الورقة خارجياً.هذه المرحلة جداً حساسة، كل طرف يريد أن يأخذ من الآخر أكثر، فمن الذي يصبح الأذكى والأدهى سياسياً ليقنع الطرف الآخر بما لديه، ويجعله يقبل بالتنازل، وبالقبول بما هو موجود معاً، كل ذلك يجب أن يحدث على خلفية أن موقف الدولة أقوى بكثير، والطرف الآخر في أسوأ حالاته تماماً ويعاني من الوصول للحضيض، هذه هي الأمور هي التي يبدو أنها تتفاعل هذه الأيام.هناك خلاصة مهمة في هذا الموضوع لا ينبغي إغفالها، أو تجاوزها، وهي أن في اللعبة السياسية دائماً ما يسدد الخاسر الفاتورة، والمنهزم هو من يدفع الثمن، لا ينبغي أبداً أن يدفع المنتصر الثمن أو يقدم تنازلات، الثمن الباهظ يسدده الخاسر المندحر، هكذا هي السياسة..!
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90