قبل أيام كثر الحديث عن احتمالية حسم بعض الأمور المعنية بتنظيم العملية الانتخابية للفصل التشريعي الرابع، وتركز الحديث عن تعديل مرتقب للدوائر الانتخابية كأحد الاحتمالات الواردة.
خطبة الولي الفقيه الجمعة الماضية أكدت ما كنا نقوله قبل أيام وتحاول الوفاق نفيه، وهو أن المعارضة الانقلابية تريد فرصة للدخول للانتخابات والعودة للحصول على المكاسب التي تخلت عنها لتقفز في الدوار، فهو «دندن» على وتر الدوائر الانتخابية كتمهيد لإعلان المشاركة.
وبالأمس كشف النائب عادل المعاودة عن تعديل مرتقب للدوائر أبلغهم به صاحب السمو الملكي ولي العهد، ما يعني بدء نهاية لعبة «المشاركة والمقاطعة» التي تلعبها الوفاق ومن يتبعها، إذ عليهم الآن تحديد موقفهم وبـ«وجه مكشوف».
في هذا الشأن – أي تعديل الدوائر – هناك تباينات في الرأي، بين معارض ومؤيد ومتوجس، هناك من يرسم سيناريوهات لما سيكون عليه المشهد لو حصل ذلك، وهناك من يجزم بأن العملية لن تغير شيئاً من واقع العمل التشريعي في ظل وجود المجلسين، وأن المسألة برمتها تمثل مزيداً من وضع الوفاق في الزاوية ليتعين عليها إثبات مصداقية ما تدعيه «ونحن نعرف حقيقته» بشأن مصلحة البلد خاصة أمام المجتمع الغربي.
سفير الوفاق في الولايات المتحدة مطر مطر نفى ما تسرب عن لقائه بمساعد وزير الخارجية الأمريكي بشأن مشاركة جمعيته الولائية في الانتخابات، رغم أن المسألة محسومة ويعرفها الصغير قبل الكبير. فالوفاق تريد أي «فتات» من جملة مطالبات وإملاءات فرضت سابقاً، لتحولها إلى مبرر تدخل به البرلمان.
الآن هناك من سينظر للموضوع على أنه مكسب للمعارضة كون التعديل قد يغلب كفة الدوائر التي ستحصل عليها بالتالي البرلمان سيكون ملعباً لها لتمرير ما تريد بالأغلبية، وعليه تكون مناهضة الدولة الصريحة من داخل مجلس الشعب، لكن هناك من يرفض ذلك ويعتبره تنزيلاً لسقف مطالبهم مثل نبيل رجب الذي غرد بنفس منتقد للوفاق على اعتبار أن مطالبه الثورية بإسقاط النظام والاستيلاء على مقدرات البلد قد تخلت عنها الوفاق بقبول الدخول للانتخابات جراء عملية التعديل.
شخصياً، نراها ورطة للوفاق، وهو أمر بيناه سابقاً، والورطة ليست معنية البتة بوضع البلد أو الحراك الديمقراطي فيه، إذ القناعة تقول بأن هذه البلد ماضية إلى الأمام في حراكها وحياتها ونموها، البرلمان لم يوجد ليكون لأجل عيون الوفاق ومن معها، هو وجد للبحرينيين، بالتالي من يريد المشاركة فالباب مفتوح على مصراعيه، ومن يريد خلاف ذلك فهو حر في قراره.
لكن بتشخيص حال الوفاق فإن المشهد الحالي يمثل ورطة لهم، بين المكابرة في مناهضة النظام وبين احتواء شارعهم الغاضب، وهنا نقول بأن هذه نتيجة العنت ورفض الفرص المتاحة مرات ومرات، في مقابل أن الدولة ليمت مراراً على مساحة سعة الصدر الذي منحته حتى لمن مارس التحريض ودعم التخريب وسعى لحماية الإرهابيين. لست أتوجس خيفة من أي شيء يحصل، فالقناعة موجودة بأن هذه الدولة لن تذهب لأي مكان طالما هناك مخلصون يحمونها ويمارسون حقهم في التعبير الحر الراقي الذي هدفه صالح البلد لا شيء آخر، والذي يركز على تعزيز قوة النظام الشرعي ومنع أية محاولات للابتزاز والمساومات.
الوفاق حاولت أن تلعب سياسة منذ زمن، استقوت بالخارج، وعمدت لتشويه صورة البلد، لكن السؤال المهم هنا: هل هي بالفعل تقوى على الاستمرار فيما تفعله لو وجدت أن الدولة تلعب معها سياسة أيضاً وبنقاط تفوق عديدة تملكها؟!
إن كانت الذريعة بأن هناك ضغوطاً غربية وأن هناك دعماً لمن يريدون الانقلاب وإشاعة الفوضى في البحرين، فإن هؤلاء اليوم على المحك بشأن موقفهم من الوفاق، هاهي الأمور مهيأة للدخول للانتخابات، وهاهي الأجواء واضحة لمن يريد أن يثبت مصداقية أهدافه بأنها لصالح البلد لا لصالح أهوائه وضد البلد.
لن يضر البلد أي شيء، فالثوابت معروفة، وحلم انقلاب جديد لن يتحقق إلا في أذهانهم، يبقى انتظار الأيام القادمة التي ستكشف المزيد، والتي ستحتم على الوفاق إما الانكفاء في زاويتها خوفاً من جمهورها الذي حشدته ورفاق الدرب الإخوة الأعداء، أو التحلي بالشجاعة ولو لمرة والدخول لتأكيد أنها ليست سوى جزء من أجزاء عديدة في هذا الوطن، لا يحق لها اختزال البلد كله في نفسها، ولا يحق لها سوى العمل تحت منظومة عمل الدولة ما يعني اعترافاً صريحاً بكل ما شتمته وأهانته ونزلت من قدره.
هم لا يزالون يعرفون أنفسهم أصلاً بـ «نواب سابقين» متناسين بأنهم هم من قدموا استقالاتهم ولم تفرض عليهم، وهنا يتضح بالضبط كيف أن هوس وصف «نائب» يعشش في أذهانهم.