عبارة واحدة جاءت في بيان سمو ولي العهد اختزلت قراراً تم اتخاذه، و أنهت جدلاً وأنهت حالة اللاحسم التي كانت سائدة طوال السنوات الأربع الماضية، فلا إقرار لأي تعديل من الآن فصاعداً خارج المؤسسة الدستورية .. جفت الأقلام و طويت صحف الحوار خارج المؤسسة.
قرار اتخذ ختم الفصل الأخير في المعركة التي خاضها شعب البحرين من أجل حماية مرجعيته الدستورية و حفظ ثوابته، عبارة تقول للجميع أهلا بكم داخل المجلس النيابي، و التوافقات متى ما وجدت تقر هناك، بلا إقصاء و بلا استبعاد من أراد أن يأتي فالمركب يسع الجميع.
«عبر المؤسسات الدستورية» هي العودة للطريق السليم و هي الكلمة الفصل، المؤسسات الدستورية مرجعية تلتزم بها جميع الأطراف في إقرار توافقاتها أو في حل خلافاتها أو في آلية و منهج إدارة دولتها، لا يجب أن يسمح لأي طرف من أطراف العقد الاجتماعي القفز عليها، هذا إن كنا نتحدث فعلاً عن الديمقراطية وبناء الدولة المدنية، فالديمقراطية عملية بناء تراكمي، لا هدم وإعادة بناء في كل مرة بحجة الديمقراطية.
«عبر المؤسسات الدستورية» عبارة انتصرت لأرواح شهداء الواجب الذين أريقت دماؤهم و يتم أطفالهم ورملت نساؤهم و حرقت قلوب أمهاتهم وآبائهم وهم يرون أمام أعينهم فلذات أكبادهم يستشهدون دفاعاً عن هذه العبارة وحماية لها، عبارة قالت للشهداء باختصار أرواحكم لم تذهب سدى.
شعب البحرين خاض معهم معركة من أجل الحفاظ على هذا «الدستور» ومؤسساته لأربع سنوات من دون كلل أو ملل، كي يعرف القاصي والداني أن طريق الديمقراطية لم يكن معبداً، بل هو طريق حفر بأرواح هؤلاء الشهداء، طريق بدأ بالوفاء بالقسم وبالعهد الذي قطعناه على أنفسنا حين صوتنا على الميثاق وحين أقسمنا ألا تمر توافقاتنا الوطنية إلا «عبر مؤسساته الدستورية» هذا ما تعاهدنا عليه، و تعديله وتغيره لن يكون إلا عبر آلياته ومؤسساته.
صمدت البحرين شعباً و قيادة بنفس طويل أدهش الجميع عبرت فيه إعصار الربيع العربي وعبرت فيه مواجهة مع أقوى دولة في العالم وقفت ضدنا واتحاد أوروبي ومنظمات دولية، صبرت على ما قيل في حقنا ظلماً و بهتاناً، صبرت على عصيان وتحريض أبنائها عليها صبرت على زراعة الكره والحقد والتقسيم الطائفي الممنهج و شحن النفوس، صبرت وعملت بهدوء لكنها في النهاية انتصرت لموقفها المبدئي.
اليوم لا ينتصر سنة على شيعة، ولا تهزم شيعة من قبل سنة، ولا فئة تطغى على فئة، اليوم تنتصر البحرين الموحدة بشيعتها و سنتها بعد أن نقف جميعنا إجلالاً و احتراماً لهذا الدستور الذي يؤسس لعلاقاتنا ومرجعية تبقى حصناً لنا و سوراً يضمنا بكل أطيافنا ومذاهبنا، و مؤسساته هي بيت حوارنا، هكذا بنت الأمم حضارتها وهكذا تطورت تجاربها، ومثلما خاضت تلك الأمم معارك وحروباً من أجل حماية دساتيرها فعل الشعب البحريني ذلك ويحق له أن يفخر بإنجازه، والحق يقال لقد قاد سفينتها قائد صبر صبراً لا يقوى عليه الرجال وحمل قلباً و صدراً كبيراً اتسع لكل الإساءات ولكل النقد ولكل التذمر الذي جرى من أبنائه لأن عينه على المستقبل لا على الحاضر.
تذكروا إن شئتم المقارنة أنه كان مقدراً للبحرين أن يكون مصيرها مثل العراق و كان يمكن أن يكون حالنا اليوم كحال الشعب العراقي الشقيق أغنى دولة وثالث أقوى جيش في العالم وانظروا إلى حاله اليوم، ثم انظروا اليوم إلى البحرين بفضل من الله أين هي الآن، و ما كان بالإمكان أن نصل إلى هذه النتيجة لولا ذلك الصبر وتلك المرونة والقدرة على التحمل وأن تمسك قيادة هذا البلد على الجمر كي تمر البحرين من عنق الزجاجة .. حتى مرت بوحدة والتحام بين القيادة والشعب وانتهينا إلى هذه العبارة التي اختزلت القرار النهائي، «عبر المؤسسات الدستورية» عبارة اختزلت طريق المستقبل للشعب البحريني ولأبنائنا و للأجيال القادمة وللشيعة قبل السنة في بلد احتضنت الجميع وستبقى أماً للجميع.. فلله الحمد والمنة.