منذ أسابيع مضت كثر في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمنظورة مصطلح «تصفير الصناديق»، وربما البعض ممن ليس له اهتمام بالسياسة ودهاليزها لا يعني له ذلك شيئاً.
وهذا المصطلح في قاموس السياسة والانتخابات يفهم منه الانقلاب على الشرعية وتحريض الشارع لمقاطعة الانتخابات جملةً وتفصيلاً وترك الصناديق فارغة.
وهذا السلوك لا يلجأ إليه إلا من يشعر أنه قد أفلس من قاعدته وجماهيره، حيث بعد بلوغ السقف الزمني وغلق باب التصويت ستنقل تلك الصناديق إلى مراكز الفرز والعد ليجد المكلفون أنها خاوية، أي صفراً.
والتصفير له معنيان؛ أحدهما حسابي لا يحتاج إلى شرح، والآخر سياسي؛ فبعد بلوغ الهدف الأول يعقبه التالي بفسح المجال للتدخلات الإقليمية والدولية، خصوصاً تلك المتربصة بنا شراً، وهي أشبه ما تكون بريح صفراء عاتية تدخل من فوهة الصنادق المصفرة، ثم تهب وتعج في البلاد في دوامة وأعاصير قد تقلع الأخضر واليابس، وربما تقلع معها من أججها.
لكن المراقب لهذا الحراك يلحظ بوضوح أن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن الداعين للتصفير.
إن ذلك القرار المتسرع وغير المدروس المآلات والنتائج، والذي جاء بعد قرار المقاطعة الذي لم يغير من المعادلة شيئاً، فقصد الاصطدم بما هو مغاير على الأرض.
للسياسة، كما هو معلوم، بعدين فكري وزمني، فقد بقي منظرو الوفاق حبيسو فكرهم دون التفاعل مع الزمن الذي غادرهم، حيث أحرجتهم تلك القرارات أيما إحراج مع ما تبقى من قاعدتهم ممن كان مصطفاً اعتقاداً أو تعاطفاً أو تعبداً وتركهم في منتصف الطريق، إذ لم يكن بالحسبان أبداً أن المسيرة الانتخابية ستمضي وفق ما خطط له، فكانوا يراهنون على تجميدها أو على أقل تقدير تمديدها، وتوقعوا استكباراً أنه سيتم الهرولة إليهم لاستعطافهم واستمالتهم لثنيهم عن قراراتهم، لكن ذلك لم يحصل مما أصابهم بالدوار وفقدان الاتزان.
فمائدة الديمقراطية (والانتخابات هي اليوم وجبتها الرئيسية) مبسوطة للجميع ولا تحتاج إلى دعوات، فهي ممدودة، من أتاها أخذ الصدارة وحصل على مراده، ومن غاب عنها فسيفوته الكثير.
أصبح عرفاً انتخابياً على الأقل في بلادنا العربية، والتي مازالت في أول السلم، مقارنة بمن سبقها في مضمار الديمقراطية، أن أي مقاطعة للانتخابات -أفراداً وجماعات جمعيات وتكتلات- ولأي سبب كان لا تصب في مصلحة أحد، وربما ضررها أكبر من نفعها.
على الجميع تقع مسؤولية شرعية وأخلاقية ووطنية بالزحف لملء الصناديق، ولنري للعالم منا ما يغيظ العدو ويفرح الصديق.
إن قوة ومكانة البلدان لا تقاس أبداً بحجمها ولا أيدلوجية معتقدها؛ ولكن المقياس هو تأثيرها في محيطها ومدى استقرارها وقوة اقتصادها وتطلعاتها، فبالرغم أن مملكتنا الحبيبة تعتبر من البلدان الصغيرة مساحة والأعلى كثافة سكانية؛ إلا أن جميع أعين العالم ترقبها، فالكثير من الدول والأصدقاء يراهنون على وعيكم وحبكم لبلدكم ورموزكم، فشعب البحرين معروف عنه أنه لا تثنيه نكبات ولا تهزه الأزمات.
فيوم الثاني والعشرين من نوفمبر هو يوم التحدي ويوم رد الجميل ويوم الوفاء ويوم التلاحم والتآزر، فلنهب إخوتي شيباً وشباباً، نساءً ورجالاً لملء الصناديق، ثم ننطلق بعدها متوكلين على الله لإكمال تعمير الوطن.