طبعاً سيقول عديد من المواطنين «ما أكثرها» أو البحريني الفصيح «شنخلي وشنو نبقي»؟! لكنني هنا لست أتحدث عن إخفاقات المشاريع والمقترحات أو عن فشل تحقيق تطلعات المواطن ورغباته، لكن أتحدث عن أهم مسألة تناساها النواب تماماً فور وصولهم إلى كراسي البرلمان.
قبل الحديث عنها، فقط سنسجل للتاريخ بعضاً من «الذنوب» التي أذنبها النواب السابقون بحق الناس والتي تفرض على الناخبين اليوم -منطقياً طبعاً- ألا يمنحوا صوتهم مرة أخرى لمن خذلهم في مواقف حساسة وحاسمة.
هي ذنوب كثيرة؛ لكن أوجعها ذاك الذي تعارض تماماً مع أهم تطلع للمواطن من النواب، والمعني بزيادة مدخوله وتحسين راتبه، إذ لك يكتف بعض النواب بذنب القبول بالتخلي عن هذا المطلب وتمرير الميزانية في مساومة واضحة، وهو سيناريو يتكرر كل سنتين، لكن في الأساس، ومنذ بدء عمل المجلس النيابي وجه النواب طعنة نجلاء للمواطن حينما قبلوا بأن يكونوا سبباً في «نقص راتبه» عبر تمرير استقطاع الـ 1%.
طبعاً أحد هؤلاء النواب الذين «ضحك عليهم» الوزير المعارض السابق ومرر المسألة عليهم، قال لي: يا أخي «وايد» مكبرين السالفة، وهي فقط 1%!! وكان جوابي: طالما هي نسبة 1%، فلماذا لا تقتطع منكم ومن الوزراء والشوريين؟! وإذا كانت هي نسبة ضئيلة من الراتب كما أشرت، فلماذا لا تدفعها الدولة والسلام، بدلاً من «هز» صورة المجلس النيابي بهذه الطريقة؟!
هذا أحد أكبر الذنوب، تضاف إليها ذنوب التغاضي عن محاسبة المقصرين المذكورين في تقارير الرقابة المالية، الفشل في حل مشكلة الإسكان، السقوط الذريع أمام رفض الإسكان إلغاء اشتراط دمج راتب الزوجين، القبول بتقاعد نيــابي ملزم لـ «مكافــأة» وليس لـ «راتب» بينما مشكلة العجز الإكتواري ودمج مزايا صندوقي التقاعد والتأمينات لم يوضع لها حد، وكثيرة هي الذنوب التي لا يطهرها شيء.
لكن ما أريد الإشارة إليه هو ذنب كبير ارتكب بحق الناس مباشرة، وليس من خلال الحراك داخل البرلمان؛ إذ فكرة مشاركة الشعب في صناعة القرار عبر مجلس النواب كانت في أساسها مبنية على تواصل النواب مع ناخبيهم، بمعنى أن حراك النائب كله يجب أن يبنى على ما يخبره به ناخبوه وما يأتي منهم، لكن الكارثة تكمن في أن علاقة النائب بناخبيه تنتهي -في كثير من الحالات- بمجرد وصوله إلى كرسي البرلمان، والمواطن نفسه يعرف السيناريو الذي يحصل، أرقام هواتف تتغير، التواضع المصطنع يتحول إلى غرور وتكبر، الإقبال على الناس والوصول إلى عتبات بيوتهم يتحول إلى صدر وهروب وبعد حتى عن المنطقة، وغيرها من أفعال وأقوال عجيبة وغريبة.
هل تلاحظون الحراك الذي يحصل في فترة الدعاية الانتخابية؟ وكيف أن المترشحين يصلون لبيوت الناخبين، ويقيمون المقرات والخيام ويجرون فيها ندوات ويعقدون بين طياتها نقاشات عديدة، وكيف أن المترشحين -في فترتها- يقبلون أي نقد لاذع يوجه لهم ويحاولون امتصاص غضب الناس واستيائهم؛ بل وبعضهم يقبل ناخبيه على رأسهم؟! هل رأيتم كل هذا؟! هذا ما يختفي على الفور بمجرد نهاية وقت إلقاء الأصوات في صناديق الاقتراع.
يفترض، وهذا هو الصحيح، أن يكون عمل النائب مبنياً على الناس في دائرته أولاً وأخيراً. يفترض بأن يكون مجلسه مفتوحاً بشكل أسبوعي لا وقت الانتخابات أو في الليالي الرمضانية أو الأعياد، يكون هذا المجلس هو «مطبخ عمليات» الدائرة، بحيث يعرض النائب على ناخبي دائرته كل صغيرة وكبيرة تحصل في مجلس النواب، سواء في الجلسات العامة أو السرية، أو اجتماعات اللجان التي يكون عضواً فيها، وأن يتناقش معهم مقترحات القوانين أو المشاريع التي سيتقدم بها باعتبار أنها معنية بهم وأنها يجب أن تمسهم، وبالتالي كل مقترح يتقدم به هو نابع من الناس أنفسهم، وهنا يمكننا القول بشكل صريح أن هذه هي المشاركة في صنع القرار.
أخبرونا بالله عليكم؛ كم نائباً حينما ينتهي الأسبوع يعقد مجلسه ويطلع الناس على نتائج عمله طوال هذا الأسبوع؟! كم منهم أخبر الناس عن أفكاره التي يريد تقديمها وما إذا كان لهم رأي أفضل فيها؟! كم منهم فتح مجلسه وقال لناخبيه ماذا تقترحون أن نفعل في الأيام القادمة، وما هي مقترحاتكم لنطرحها، وما هي ملاحظاتكم على عملنا؟! كم نائباً يفعل ذلك؟!
وللتذكير، هذا الحراك بعد الوصول لكرسي البرلمان لا وقت الانتخابات التي يتحول فيها أغلب المترشحين إلى أشباه ملائكة تتنزل من السماء!
هذا هو أكبر «ذنب» ارتكبه النواب السابقون، إلا من رحم ربي، البعد عن الناس، نسيانهم بعد الانتخابات، تقديم المقترحات بمعزل عنهم، رفض أن يقيمهم من انتخبوهم، وكل هذا سببه أن المجلس يتم غلقه حتى تمضي أربعة سنوات وحتى تحين لحظة الترشح القادمة، ليعاود بعضهم ليس رداء الحمل الوديع فوق رداء الذئب ناكر الجميل الذي لبسوه طوال أربعة أعوام مضت.