حضارة عظيمة بناها المواطن البحريني منذ أكثر من مائتي سنة، دون أن يكون هناك وفاق ولا نفاق ولا أي منهما ولا من أجدادهما، البحرين أقام حضارتها آل خليفة، وبنتها سواعد البحرينيين، هذه الدولة ومنذ بدء نشأتها لم يكن فضل أو معروف لأي من الجالية الشيعية على الدولة، فها هي البحرين وآثارها ومعمارها ومبانيها فأتونا بشيء قد ساهموا ببنائه، بمستشفى أو بمدرسة أو ساهم أي منهم في نصرة قضية عربية أو قدم خدمة لأمة إسلامية، بل العكس فقد قاموا بالاستحواذ على الأراضي بوضع اليد عندما غابت المحاسبة والمراقبة، ومازال هذا عملهم حتى اليوم فها هم يضعون أيديهم على أي مساحات في مواقع مهمة لتأكيد هويتهم وتثبيتها في المناطق، وهي سياسة يتبعونها منذ أن توافدوا من القطيف والمحمرة والنجف وإيران.
فكيف إذاً لا تواصل الدولة مسيرتها من دون مشاركة الوفاق في البرلمان؟ وكيف تحاول الدولة استرضاء الوفاق من أجل هذه المشاركة؟ وهي دولة استطاعت أن تبني نفسها بنفسها منذ مئات السنين، أليس هذا تقليل من شأن الدولة ومكانتها وهيبتها الداخلية والخارجية؟ أليس تقديم الحلول وتحقيق مطالبهم وحتى بعضها تجعل هذه الفئات الباغية تزيد استكباراً وغروراً؟ أليست هذه المحاولات التي تبذلها الدولة منذ فبراير 2011، هي التي قوت شوكة الوفاق؟ فكيف إذا ما قدمت الدولة مزيداً من الاسترضاءات من تعديل دوائر وإطلاق سراح قادة الإرهاب وتخفيف أحكام؟ الأمر الذي سيدفع الوفاق إلى التمادي حتى تصل إلى كرسي السلطة، وما إصرارها اليوم على مواقفها وتحديها للدولة إلا لأنها تطمع أن تقدم لها الدولة مزيداً من التنازلات والاسترضاءات، أفلم تخفف أحكام الإعدام إلى مؤبد أو إلى سجن عدة سنوات، ألم يتم إعادة المفصولين إلى أعمالهم ومكافأتهم، ألم يعد كبار المسؤولين من مستشارين وقضاة وشوريين إلى مقاعدهم برغم وقوفهم ضد الدولة أثناء المؤامرة الانقلابية، فماذا بقى إذاً أن تقدمه الدولة للوفاق لكي ترضى؟ لم يبقَ إلا كرسي الحكومة وهو ما تحلم به الوفاق، وغداً عندما يتحقق لها الاسترضاء سيتحول نظرها إلى كرسي الحكم، وهذه هي نتيجة المداهنة والمراسلة التي لم تنقطع بين الدولة وبين الوفاق طوال هذه السنوات، وذلك عندما صنعت الدولة من الوفاق نداً لها، حتى تغولت اليوم وصارت مثلها كمثل «حزب الله»، الذي طمع في الحكم حتى تحقق له، وها هي اليوم مؤسسات الدولة اللبنانية وحتى العسكرية والأمنية في يد هذا الحزب، وها هي ميليشيات الحزب تشارك الجيش اللبناني في ضرب المناطق السنية دون حسيب ولا محاسبة من قبل الدولة، وذلك بعدما أصبح «حزب الله» هو الحكومة وهو البرلمان وهو الجيش وهو القوات الأمنية وهو من يتواصل مع المجتمع الدولي وحتى الأنظمة العربية التي لها علاقات مباشرة بحزب الله وتتشاور معه في القرارات المصيرية، ليست المتعلقة بالدولة اللبنانية بل حتى بالدولة العربية والخليجية، وها هي الوفاق تسير على نفس خطوات «حزب الله»، وبمساعدة الدولة التي لا ندري على أي مرسى ترسي عليه.
ولتعلم الدولة بأنه كلما زادت تقارباً مع الوفاق، فإن ذلك يؤثر سلباً على علاقة الدولة بشعبها الشريف الذي يرفض أن يكون للمتآمرين يد عليه، كما إنه يحزنه أن يرى تلك الوجوه التي هتفت بإسقاط النظام في مناصب عليا، وها هو الشعب يشحذ سمعه عن أنباء التعيينات الوزارية والتي قد تكون هناك أسماء ذاك الوزير الحاقد على أهل السنة بين تلك الأسماء، أو ذاك المهندس الإرهابي الذي يشترط منصب وزير، أو أن تكون هناك محاصصة مرضية للوفاق.
إن الدولة عليها أن تثق بأنها ستسير وتبقى بحول الله وقوته لا برضا الوفاق، وإن كانت تظن بأن مشاركتها ستزيد الدولة صلابة أو تطوراً أو انتعاشاً اقتصادياً فهو ليس أكثر من «عشم»، تعاود بعده الوفاق كرتها مثل ما عاود الحوثيون كرتهم في اليمن وها هي اليوم اليمن وبعد سقوط علي صالح يتجه الحوثيون فيها مرة أخرى لإسقاط الرئيس عبدربه.
إنه نفس الطريق الذي سارت عليه لبنان وتسير عليه اليمن، اليوم تسير عليه البحرين، وذلك عندما جعلت مكاناً لهذه المجموعة الباغية التي تتحول شيئاً فشيئاً في نظر شعب البحرين بأنها الجماعة التي على حق، بعد أن تستغل الفرص التي منها تدخل إلى قلوب حتى معارضيها، وها نحن اليوم نقرأ بين سطور بيانات علي سلمان عن الخدمات التي تقدمها الدولة ومنها الإسكانية ومعايير استحقاق المواطن للخدمات الإسكانية، وذلك كما فعل الحوثي عندما استغل رفع سعر الوقود من قبل الحكومة اليمنية، وهكذا تتكون شعبية شيئاً فشيئاً عندما تلتقي مطالب المجموعة الباغية مع مطالب الشعب المعيشية.
واليوم بات على الدولة أن تغيب دور الوفاق بتجاهلها وعدم الالتفات إليها ووضعها في مكانها المناسب بأنها كانت لا شيء لا في الحاضر القريب ولا لها من شيء في الماضي البعيد من مئات السنين، كما يجب سد الأبواب والمنافذ فهي طريق السلامة التي يمكن أن تستغلها الوفاق وأهمها كما ذكرنا الخدمات الإسكانية التي باتت مصدر قلق لشريحة كبيرة من المواطنين الذين سدت في وجوههم أبواب المستقبل الآمن عندما وضعوا في خانة «عدم الاستحقاق»، هذا باب خطير إن لم تعد الدولة النظر فيه سيستخدمه أعداء الدولة كما استخدم الحوثيون زيادة الوقود التي فرضتها الحكومة اليمنية.