الجزئية التي تضمنها الخبر المنشور في الصفحة الأولى مـــن «الوطـن» السبت الماضي وملخصها أن مواطنين أكدوا أن «إطلاق بعض المترشحين للوعود الكاذبة الخيالية بأسلوب مراوغ أمر لم يعد ينطلي على غالبية الأهالي والناخبين الذين زاد وعيهم السياسي والانتخابي بعد خوضهم ثلاث تجارب على مدى ثلاثة فصول تشريعية سابقة»؛ جزئية في غاية الأهمية لأنها مؤشر على أن مسيرة انتخاب المجالس التشريعية ناجحة وأنها بدأت بالفعل تعطي ثماراً طيبة.
من الطبيعي أن يكون وعي الناخب في التجربة الأولى متدنياً، ولعله يكون كذلك في التجربة الثانية، لكن مع استمرار المسيرة والمضي قدماً في ممارسة هذا الاستحقاق يصير من الطبيعي أيضاً التحول المطلوب لدى الناخب، فلا يثق في كل ما يسمعه ويقرؤه ويراه في تعابير وجه المترشح وصوته ولا يستعجل اتخاذ القرار المطلوب منه فيصير أقرب إلى الاختيار الصحيح.
بمعنى آخر لم يعد المترشحون يستطيعون أن «يقصوا» على الناخبين ويزينوا لهم الأمور ويعطوهم الشمس في يد والقمر في يد، وكأنهم بدخولهم مبنى البرلمان يصير القرار، كل القرار، في أيديهم.
اليوم وصل الوعي بالناخب إلى أنه يكلف نفسه بزيارة مختلف الخيم الانتخابية التي يترشح فيها أفراد من دائرته ويستمع إلى كل ما يطرحه المترشحون ويزنه بميزان دقيق. لا ينظر إلى شكل المترشح ولا إلى صوته ولا إلى كلامه الحلو اللطيف، ولا يهمه البوفيه الذي يعمد بعض المترشحين إلى إغراء الناخبين به لعله «ينقع في عيونهم»! كل هذا لم يعد يعني الناخب شيئاً، لذا لم يعد غريباً أن تسمع الناخب أياً كان مستواه الثقافي يسأل المترشح في البدء وقبل كل شيء عن برنامجه الانتخابي، ويقول له في وجهه مباشرة إن من سبقك وعدنا بالكثير ولم نحصل منه حتى على القليل، فمن أنت ولماذا تريدنا أن نصدقك؟ وماذا نفعل بك لو اكتشفنا أنك خدعتنا وبعتنا كلاماً لم نجد مصرفاً نصرفه فيه؟
في 2002 انتشرت عمليات شراء الأصوات، وكان كثير من المترشحين يعطون الناخبين بسخاء، لهذا ثلاجة ولذاك مكيف هواء ولغيرهما مظاريف بها مبالغ مالية تدس في بعض الأيدي سراً، وفي 2006 استمر موضوع شراء الأصوات ولكن بصورة أقل، وقل عن ذلك في 2010، ولكنه للأسف لا يمكن أن يغيب عن هذه الانتخابات، فهناك دائماً من المترشحين من يعرف أنه لا يمكن أن يفوز خارج هذه الطريقة، وهناك من الناخبين من يعتبر الانتخابات فرصة ليكسب بعض المال؛ بل إن بعض هؤلاء المترشحين يعرض على الناخب الرشاوى «أشكره» وبعض الناخبين يطلبها من المترشح أيضاً «أشكره».
لكن، ومع هذا الوعي لا يزال الناخب أسير الانحراف إلى الجماعة لأسباب سياسية أو دينية أو قبلية أو غيرها، فلا تجد مثلاً ملتحياً يتحمس لانتخاب غير ملتح وإن كان مقتنعاً به وببرنامجه الانتخابي ويعرف جيداً أنه كفاءة ومؤهل لدخول المجلس، ولا تجد مثلاً من يعتقد بفكر اليسار يتحمس لانتخاب ملتح وإن كان متأكداً ويعرف جيداً أنه الخيار الأفضل والخيار الصحيح.
الانحياز إلى مترشح لتلك الأسباب مؤشر سالب سيتغير مع استمرار المسيرة وتكرار التجربة، فهذا أمر مرتبط بالحراك الاجتماعي والسياسي، لكن المأمول هو ألا يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة وتجارب كثيرة ليتغير، ذلك أنه لا يكفي أن يكون الناخب واعياً ومتصدياً لمراوغة المترشح ولا تنطلي عليه ألاعيبه، ولا يكفي أن يتريث الناخب في الاختيار، فمن المهم أيضاً ألا يكون أسير فكر الجماعة التي ينتمي إليها طالما يرى أن الآخر غير المحسوب على جماعته هو الأفضل ومن يؤمل أن يفيد الوطن والمواطنين.