يبدو واضحاً أن السياسة التي تتخذها مملكة البحرين مع مجموعة «الوفاق» تعتمد على إجبارها على اللعب ضمن الأطر الدستورية كي تكون كغيرها من القوى السياسية لها حق العمل السياسي وحق التعبير والتمتع ببقية الحقوق السياسية التي أتاحها المشروع الديمقراطي البحريني ضمن حدود تبقي للمناورات فسحة ولا تشكل خطراً على أمن الدولة وسلامتها، وتظن البحرين أنها بتلك السياسة قادرة على أن تحد من المخاطر الأمنية التي تسببت بها تلك المجموعة على أمن المنطقة ككل منذ 2011 حين نزلت للشارع وحتى اللحظة، مملكة البحرين تراهن كذلك على أصوات الاعتدال الشيعية البحرينية أن تنجح في طرح نفسها كبديل عن هذه المجموعة، هي سياسة جيدة وعقلانية إنما تلك سياسة طويلة النفس وتحتاج لعمل دؤوب لسنوات لا يتحملها حرج التهديد الإقليمي الذي تمر به المنطقة في الوقت الحالي، خاصة ونحن نرى تقلب الأوضاع من النقيض إلى النقيض بين ليلة وضحاها.
«فالوفاق» خرجت عن الإطار الدستوري منذ أن امتزجت بجماعات العنف مزجاً لم يعد تفكيكه ممكناً، وحين اختارت المقاطعة فإنها اختارت أن تبقى على ذلك الامتزاج بينها وبين تلك الجماعات لن تجد وهي المقاطعة الشارع ملعباً، وهي بهذا الخيار أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مشروع لا يخص البحرين وحدها بل يخص المنطقة بأسرها، لقد تجاوزت الوفاق بالخطر الذي تشكله على المنطقة مجرد كونها أداة «للتأزيم» الوفاق جزء من شبكة خليجية تدعم النمر شرقاً وأحداث العوامية، و تستمد تمويلها من فرعها الكويتي شمالاً وتدربها خلايا عراقية ولبنانية وتصدر بياناتها المؤيدة لفرعها الحوثي الجنوبي، الأمر تجاوز كونها قوى سياسية محلية تتخذ مواقف متشددة «مؤزمة» في خلافها مع السلطة البحرينية.
الوفاق مجموعة تحالفت مع حكومة أجنبية ولا يحتاج هذا التحالف إلى بيان أو أدلة إننا نصبح ونمسي على صور هذا التحالف منذ أربع سنوات، أتمنى أن تدرك مملكة البحرين حجم المسؤولية الملقاة عليها لحفظ أمن المنطقة، فالاعتماد على إدراك الوفاق أو أصواتها المعتدلة إن وجدت هو اعتماد على الاحتفاظ بالماء في كف اليدين، أتمنى أن تدرك البحرين أن ترف ورفاهية المناورات السياسية لا ينسجم مع حجم المخاطر التي تحيق بالمنطقة ككل، وأن تعويل دول الخليج على البحرين كبير لدورها في إفشال المشروع الأمريكي، فهذا المشروع مازال قائماً وما الضغوط الأمريكية الآن إلا من أجل الاحتفاظ بالبيادق الأخيرة حتى استغنت عن دبلوماسيتها من أجل حفظ بيادقها، فهي تفعل المستحيل الآن لتقوية هذه المجموعة وإعادة تموضعها وإعادة رص صفوفها ولا تنظر أبداً إلى أي مصلحة بحرينية أو مصلحة خليجية، كما لا تنظر إلى مبادئ أو قيم أخلاقية، ولا همها إصلاح أو ديمقراطية أو حقوق إنسان، فتلك قيم لا ازدواجية فيها، أما هي واحدة على الكل أو أنها لا تزيد عن مجرد كونها ورقة للاستهلاك، الولايات المتحدة لديها هدف واضح هو دعم «مجموعة» محددة والحفاظ عليها فاعلة قانونياً، الحفاظ عليها مرخصة، مهمتها أن تساعدها في خلخلة سلطات الدولة ومساعدة بقية أفرع الشبكة في دول مجلس التعاون على لعب نفس الدور، نحن لا نتحدث عن طائفة ولا حتى عن جماعة حتى لا ننجر لادعاءات اللعب بهذه الورقة التي ستظهر غداً بمناحات وبكائيات الاضطهاد والمظلومية، نحن نتحدث عن «مجموعة» لها اتصال مباشر بالدوائر الأمريكية تقود «الوفاق» و تدعي التحدث باسم الطائفة حتى تحتمي ببشرها دروعاً، هذه «المجموعة» هي التي تقود الوفاق وباسم الترخيص الممنوح لها محلياً تتحرك دولياً، ولا تعمل ضمن نطاق البحرين فحسب بل مواقفها تنسيقية مع بقية شبكتها في منطقة الخليج تعمل ضمن ذات الأهداف وبدعم غير مسبوق من كل أدوات الضغط الأمريكية، وليس أفضل منها كحزب مرخص لتفتيت المفتت وإعادة رسم الحدود السياسية (السايكوسبيكية) بالإرهاب بالعنف بثلثها المعطل بمحاصصتها وقد وصلت إلى أهدافها في العراق ولبنان واليمن وهزيمتها في البحرين لم تكن سوى جولة، ولا حاجة للتذكير بموقف جمعية الوفاق وشبكتها الخليجية من الاتحاد الخليجي أو موقف رافض بلا مواربة، إنها تمتنع حتى من تسمية الخليج «بالعربي» هذه مجموعة رفضها شعب البحرين وأدانها القضاء لكنها اليوم تعيد ترتيب صفوفها في البحرين بالدعم الأمريكي العلني وبرضوخ السلطات البحرينية لهذه الضغوط ، فإن لم تدرك البحرين أبعاد هذه الصورة فإن المنطقة كلها في مأزق.
الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على البحرين يهدف لإبقاء هذه المجموعة فاعلة سياسياً وبإمكانها التحرك ضمن الغطاء القانوني حتى لا تبدو أمريكا وكأنها دولة داعمة لمجموعات محظورة، لذلك فإن سياسة المناورات التي تتبعها مملكة البحرين مع هذه المجموعة وفي هذا الوقت تحديداً قد تضر بأمن المنطقة ككل لا بالبحرين فحسب وتساعد المشروع الأمريكي دون أن تدرك ذلك.