طرد مساعد وزير الخارجية الأمريكي من البحرين خطوة إيجابية رغم أنها «متأخرة»!نعم، متأخرة؛ لأن مثل هذا الإجراء كان لابد له أن يتم منذ زمن طويل جداً، حتى قبل المحاولة الانقلابية في فبراير 2011، فوثائق «الويكليكس» التي نشرت البرقيات الأمريكية المعنية بالوضع البحريني ولقاءات المعارضة كانت تمنح دولة البحرين حق التصرف الحاسم بشأن هذه «الدسائس» التي تحاك لها في داخل أروقة السفارة الأمريكية في المنامة. إلا أن «الحلم» و»سعة الصدر» البحرينية كانت تسود، وبسببها جعلت الأجنبي يتمادى وجعلت خناجر الغدر بالداخل تطمع.نتفق على أنها «خطوة متأخرة» مثلما أكد على ذلك صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله قبل أيام، مشددين على نفس قول سموه بأن سيادة البحرين أمر لا مساومة فيها، يعرف ذلك الإيرانيون في حقبة الشاه حينما هددوا باحتلال البحرين بسفينة حربية واحدة فجاءهم الرد البحريني بأن أرض دلمون ستكون محرقة لهم (طبعاً هذا الكلام الموثق تاريخياً في مذكرات حتى مسؤولين إيرانيين يزعج بعض من لدينا هنا ممن يدعون أنهم بحرينيون بينما الهوى إيراني صرف)، يعرف الإيرانيون ذلك، ولابد أن يعرف «حلفاؤنا وأصدقاؤنا» الأمريكان ذلك (الصفات والكلام ببلاش طبعاً) بالتالي كم صديقاً يطعنك في ظهرك ويبتسم؟!هناك صياح ونواح حصل، الجمعيات الانقلابية تصرخ، والأمريكان ببيتهم الأبيض ومتحدثيهم يصرخون من هناك. ووسط المعمعة تقوم ألمانيا (ويعرفون جيداً من هي ألمانيا) بطرد ممثل الاستخبارات الأمريكية في برلين في إطار قضية تجسس تدار عملياتها من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض! أنسيتم تجسس إدارة أوباما (طبعاً بعلمه) على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل؟!عموماً المسألة الألمانية أخطر وأكبر من مساعد لوزير الخارجية ترصده أجهزة الأمن البحرينية في وسط المظاهرات فترة انقلاب الدوار ومع الانقلابيين وبقي عليه أن يتلثم ويرمي المولوتوف! ومع ذلك لو ترصد الحكومة الألمانية أو حتى البريطانية مسؤولاً أمريكياً يشارك متظاهرين ضد النظام والقانون في المظاهرات ويجتمع معهم ويقترح عليهم ويعطيهم من بنات أفكاره وتوجيهاته، فماذا تظنون أنهم يفعلون؟!لكن السؤال المهم هنا، هل ما قام به مساعد وزير الخارجية الأمريكي يعتبر التصرف الأول المسيء من قبل الأمريكان لسيادة البحرين؟! الإجابة بأنها ليس المرة الأولى ولن تكون الأخيرة وسبقتها مرات ومرات، ولا تذهبوا بعيداً فقط تابعوا «النشاط» الواضح للسفير الأمريكي!هذا خرق للمادة 41 من اتفاقية فيينا التي تنص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن هل يكترث الأمريكان أصلاً لهذه الاتفاقيات؟! هم لا يكترثون بالأمم المتحدة نفسها فكيف يكترثون لأي شيء آخر؟!عموما لو بحثتم بشكل سريع في الشبكة العنكبوتية عن عدد الحالات التي قامت فيها دولة ترفض أن تمس سيادتها، قامت فيها بطرد مسؤولين أمريكان لتدخلهم في الشؤون الداخلية لتلك البلدان، أو بسبب نشاطات تجسس أو دعم لمناهضي حكومات تلك الدول، لوجدتم أرقاماً مثيرة وأحداثاً أكثر إثارة. وطبعاً في حادثة التجسس على ألمانيا، فالبيت الأبيض من يجرؤ على نكران ذلك (من الفشيلة الكبيرة طبعاً) بل أخذوا يشغلون أسطوانتهم المعتادة مع الدول «نحرص على التعاون والعلاقات المشتركة ونأمل ألا يؤثر ما حصل عليها»!لكن «قلة الأدب السياسي» جاءت من الخارجية الأمريكية عبر بيانها الذي قالت فيه إنها استدعت القائم بالأعمال البحريني في واشنطن واحتجت لديه على قرار الطرد. بل أيضاً أبلغته استياءها من استدعاء الأجهزة المعنية بالبحرين لعناصر في المعارضة لاستجوابهم!أولاً نقول، الخارجية منزعجة واستدعت ممثل البحرين لديها لتحتج! طيب، يقفز للذهن سؤال سريع جداً: كم مرة في البحرين استدعينا السفير الأمريكي كرايجيكسي لنبلغه استياء الدولة تصرفات المسؤولين الأمريكان وهو على رأسهم؟!والمضحك، هنا بأن الأمريكان منزعجون من استدعاء عناصر محرضة لاستجوابهم! طيب وما دخلكم أنتم؟! هذه سيادة البحرين وحقها الخالص. وهل أنتم أصلاً تقبلون بأن تناقشكم البحرين في أموركم الداخلية الماسة بالأمن القومي؟! علماً بأن من تم استدعاؤهم بحرينييون وليسوا أمريكان، في حين ملف التعذيب في «جوانتانامو» وحده يكفي بأن يطالبكم العالم بالصمت المغلف بالعار، وذلك لما فعلتموه بالناس سواء كانوا مذنبين أو أبرياء باسم الحرب على الإرهاب، مع العلم بأن عناصر بحرينية كانت موجودة هناك ظلماً في سجونكم ولم يفرج عنهم إلا بعد سنوات من الظلم والعذاب.من حق البحرين أن تقرر ما تريد بشأن تحرك المسؤولين الأجانب فيها، أين يذهبون ومن يقابلون، هذه هي السيادة، ولا يحق لأي دولة أن تتحكم فيها.وهنا نعتب على الجهات المعنية بالدولة حينما تتعاطى بشكل إيجابي مع طلبات المسؤولين الأمريكان حينما ينوون زيارة البلاد. لسنا نقول ارفضوا، ولكن نقول عاملوهم بالمثل. هناك هم من يقررون متى تكون المواعيد والزيارات وجداولها ودائماً يكون أحد من الجهات الرسمية معهم، وطبعاً لن يسمحوا أبداً لأي وفد رسمي أن يتجول على «حل شعره» هناك ليقابل من يكون، فكيف لو جاء يقابل فصيلاً معارضاً للدولة محرضاً على العنف وقتل رجال الشرطة؟!والله لا يجرؤ الأمريكان على فعلها مع الشقيقة السعودية، ولا نريد أن نتساءل وكأننا لا نعرف سبب ذلك. يتذكرون جملة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي «لو إصبع امتد لداخل المملكة سنقطعه».سيادة الدولة فوق كل شيء، ومن الصفاقة أن يأتي الأجنبي لـ»يتفلسف» عليك في بلدك، بل ويتجاوز حدوده ويعرب عن استيائه من إجراءاتك وتطبيق قوانينك ويبلغ الحد الأقصى من «قلة الأدب» بأن يناقشك في تعاملك كدولة مع مواطنيك.