قطعت مجتمعاتنا مراحل «صعبة» لتحرر «الحب»، وليصبح من الأسهل لفظه، ولكن ليس بشكل مباشر بل عبر قنوات افتراضية -حتى الساعة-، لنقع في أزمة جديدة، هي أزمة التعبير عن الإعجاب ببلد ما، أو التحمس لقائد تعجبنا الكاريزما السياسية له.
فيحسب علينا «نفاقاً» ونصنف مع المتملقين، إذا لفظنا أننا نحب بلداً ما أو زعيماً ما، وللأسف فالأمر جائز ولنا كل الحرية في الإفصاح عن مشاعرنا تجاه الأجانب سواء كانوا أشخاصاً أو بلداناً.
لكن إذا قلنا إننا نحب بلداً ما، أو نحترم قائداً ما في البلاد العربية تنطلق نحونا سهام من الشكوك والتساؤلات خاصة عن ثمن هذا الحب.
في يوم ما ومنذ نحو ثلاث سنوات، تغيرت حياتي، عاد الدفء إلى قلبي بعدما فتحت وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي آل خليفة، باب البحرين على مصراعيه، ودعتني لأرى بنفسي بلادها، لكني لم أكن أمينة وعدت بعد زيارتي الأولى، وأنا أشعر أني أنتمي لتلك الديرة الطيبة، وأنها ليست بلد البحرينيين وحدهم بل بلدي أيضاً «آسفة» وأتمنى أن تكون سرقتي مشروعة!
أحببت البحرين، على صغر مساحتها، أحسست أنها أكبر من كل هذا العالم رحابة.. صدور أهلها المفتوحة، هدوء طباعهم، طريقة سيرهم، حديثهم، طريقة كلام أهل المحرق، وكرم كل من رأيت شدني، وشدني...
أحب الأصدقاء إلى قلبي أصبحوا هناك، وشوقي لا ينتهي، وتسكنني السكينة كلما لامست قدمي أرضها.
رأيت من أهلها بمختلف طوائفهم -ولأني «كنت أجنبية» لم ألحظ الفروق في طريقة الكلام، أو اختلاف الأسماء أو الأسماء العائلية- كل الخير، كانت نفس الطباع تجمعهم، ونفس درجة الصوت ارتفاعاً، ونفس نسق السير، ولم أر فرقاً بين بحريني وآخر.
تعلق قلبي بها، ولا أجد أسباباً للأزمة، ولا مبررات لتواصلها..
جزيرة اللؤلؤ لا يمكن إلا أن تكون مملكة، أراها ضحية للأوضاع في المنطقة، وعلى الرغم من الاستقرار الدائم تجتمع أيادي الشر الخارجية من وقت لآخر، لتحرك دمى سوداء صنعتها داخل المملكة، تخرجهم للشوارع تعرضهم وغيرهم للخطر تحرقهم، وتغسل عقول أطفالهم لتملأها بالحقد بدل الخير، وتسرق منهم براءتهم.
أتمنى أن ينظر كل بحريني حوله، أن يرى الحب الذي يحيط به، إنه أوسع من البحر، أن يفكر بعقله في الأوضاع السياسية، والإصلاحات التي كانت استثنائية في البلاد، أن يخرجوا من دور الضحية ويعلمون أنهم يستعملون.
أطلب من إخواني أن ينظروا إلى «الثورات» وما خلفتها من حرائق مازالت مشتعلة تحرق كل ما حولها ومن حولها، ليعلموا أن «الربيع» كان كذبة الخريف عليهم.
ديرتي، مملكتي الجميلة، كلما فكرت فيها أتحول إلى طفلة على رأسها طوق من الياسمين. أحب البحرين.. جداً، فهل تسمحون؟

- عن صحيفة «الشرق الأوسط»