من الجميل الذي قرأته أخيراً قول أحدهم «نحن لا نحب الوطن لأنه منحنا، ولكن لأنه أصلنا وجذرنا ومرتكزنا، نحبه بكل ما فيه، نحب الوطن لأنه الوطن». مقابله دعا أحدهم إلى مقاطعة كل ما من شأنه أن يحفظ وطننا البحرين ويعيده إلى المواطنين سالماً غانماً بعد رحلة العذاب التي تم إدخاله فيها عنوة من قبل بعض جاهل بمعنى الحياة ومعنى الوطن. هذا أحدهم الأخير قال من بين ما قال «من دخل الحوار احترق سياسياً»، وهي دعوة صريحة إلى بقاء الحال على ما هو عليه واستمرار أعمال الفوضى والتخريب، فلعل وعسى تتوفر الظروف التي تتيح «الانقضاض» على الوطن! بالشعبي «مخروا في الوطن ولا عليكم من صراخه ولا تلتفتون إلى الآخ اللي تصدر عنه حتى يحين موعد التهامه بالكامل».
أما الفارق بين القولين فكبير، ذاك يعتبر الوطن وطناً لا لأنه يعطينا ما يعيننا على العيش ويوفر لنا الأمان فقط، ولكن لأنه نحن ولأنه تاريخنا وامتدادنا في الحضارة ولأنه الوطن، وهذا يعتبر الوطن غنيمة يمكن الظفر بها بمزيد من الصبر ومزيد من التعلق بالوعود التي أتت من حيث كانوا يعلمون وصار الجميع يعلم! ذاك يتحدث عن وطن وهذا يتحدث عن مرحلة تفضي إلى وطن مرسوم في الخيال لن ينالوا منه سوى الخزي والعار، تحقق أم لم يتحقق.
طالما أن هذا التفكير السلبي لايزال مسيطراً على البعض لذا فإن احتمالات خلو الشوارع من سبل التعبير عن أشكال التخلف تلك التي أساءت إلى «المعارضة» وصعبت المهمة على منظمات حقوق الإنسان العالمية ستظل معدومة، وستظل ضعيفة احتمالات المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية التي صرنا على أبوابها، وستظل احتمالات الإقبال على مواصلة الحوار أو الخروج منه بمكاسب للوطن معدومة.
اليوم تواجه الوفاق كمية من الضغوط من البعض الذي شدت الظهر بهم «أوروبا وأمريكا» على وجه الخصوص كي تشارك في الانتخابات. هذه حقيقة تحاول الوفاق ومن صار في جيبها من الجمعيات السياسية «المعارضة» أن تخفيها عن «جماهيرها» انتظاراً للحصول على الضوء الأخضر من «الجهة الواعدة بالوطن الحلم الذي لن يتحقق أبداً»، لذا فإن أحداً لا يمكنه أن يلوم الوفاق هذه الأيام على أي قول يصدر عنها أو فعل تقوم به، فأعصابها متوترة، ومن تتوتر أعصابه يسهل عليه دعوة شعب البحرين «الأصيل» من الشيعة والسنة إلى إنجاب الأطفال كي لا تزيد نسبة من يحصلون على جنسية البحرين فيظل الشعب «الأصيل» هو الأكثرية! (طبعاً راعي الدعوة يفترض أن من يحصل على الجنسية سيتوقف عن الإنجاب تلقائياً ويفترض أن كثرة إنجاب الشعب «الأصلي» سيؤدي إلى انتعاش الاقتصاد)! وهو ما يعني أن الوفاق تتخبط وصارت «اتقط خيط وخيط».
ليس بمثل هذه الدعوة يمكن حل المشكلة التي صار فيها هذا الوطن، وليس بمقاطعة الحوار والانتخابات «كي لا تحترق جمعيات المعارضة سياسياً» يمكن الخروج من هذا المأزق الذي طال، وليس بالعناد والمبالغة فيه يمكن أن تنفرج الأزمة. لابد من تغيير هذا التفكير الذي يسيطر على هذه الجمعيات وإن فقدت بقية قيمتها واحترقت سياسياً، فالأهم منها هو الوطن الذي ترفع رايته وتقول إنها تدافع عنه وتريد له الخير. الخير لا يأتي من هكذا تفكير، وراية الوطن لا تعلو بهكذا قادة وجمعيات سياسية لا يملكون قرارهم وينتظرون الضوء الأخضر من الذي لا يحب الخير لهذا الوطن.
استمرار الوفاق في موقفها السالب وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات شجاعة تصب في مصلحة الوطن يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت بالفعل تحب الوطن؟!