من لطف الله على هذه البلد، أنه رغم تأخر حسم الأمور مع متجاوزي القانون والداعين للانقلاب على النظام، هو جعلهم يمعنون في «الغي» بحيث باتت أفعالهم وتحركاتهم تزيدهم غرقاً كل يوم، وتكشف زيفهم أمام مزيد من الناس.
لا ندري صراحة ماذا تفعل الدولة وكيف تخطط الأمور وكيف تدير بعض المسائل الخفية عن الناس، والتي هي معنية بكيفية التعامل مع هؤلاء الذين نصبوا المشانق ونادوا بإسقاط النظام، لكن ما يتضح من ردود فعل قادة التحريض ورعاة الإرهاب بأنهم يعيشون في حالة «هلوسة» تجعل إناءهم ينضح بما فيه.
لن نحسب نقاط تفوق عدة للدولة هنا، إذ لسان حال المواطن البسيط يقول بأنه لا يريد أن يعيش في وسط «رقعة شطرنج» تدار بتكتيكات وخطط خفية ومعلنة، إذ المواطن يريد أن يعيش في وطنه بشكل سلس صحي سليم، وهو ما يكون نتيجة طبيعية لتطبيق القوانين ومحاسبة المخطئين ومنع أي كان من التطاول على حريات الآخرين.
لكن مع ذلك، إن كانت من نقاط تحسب، فلربما هي نقطة للدولة معنية بدفع قادة التحريض لحالات هلوسة، يوازيها -وهنا المفارقة- حالات ضيق وقلق لدى المخلصين، باعتبار أن الرؤية ضبابية والمستقبل غامض.
«الهلاوس» زائدة هذه الأيام، فتارة يتحمس خادم الولي الفقيه في كلامه (وهذا حالهم الدائم في وسائل التواصل أو خلف المايكرون وأمام جماهيرهم التي دفعت هي الثمن عوضاً عنهم) أقول يتحمس فيأخذ بالتطاول على إخوة عرب هم المصريون، ويقارب -ولو باللمز أو الغمز- وضعهم بأوضاع من أرسلوا في توابيت لبلادهم خلال غزو الكويت! يدرك أنه «سقط سقطة مراهق سياسي» فيحاول مسح ما كتبه لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن عرف مصريون كثر عما يقوله عنهم ما يصف نفسه بقائد المعارضة البحرينية.
ليست المرة الأولى التي تتطاول فيها الوفاق على مصر والمصريين، فخلال 2011 حاول وفد من الجمعية الانقلابية زيارة مصر والاستفادة من أجواء الربيع العربي (التي ألصقوا نفسهم بها لصقاً) ولما لم يجدوا رد فعل مرحب، خاصة من قبل المصريين الذين «يمتعضون» أشد الامتعاض من فئات تصف نفسها بـ«العروبية» لكنها تتحرك كأدوات للمرشد الإيراني. لما لم يجدوا التعاطي الذي عولوا عليه، خرج مساعد خادم الولي الفقيه في قناة الجزيرة ليتطاول على المصريين ويقلل من شأنهم وليتهمهم بأنهم شعب يحركه «البقشيش» وأن المصريين (بوصف عام) شعب لسان حاله «عاوزين نعيش» بالتالي اشترت موقفهم مملكة البحرين. وارجعوا للحلقة المعنية والتي فيها ألقمه المقدم فيصل القاسم حجراً مراً حينما سأله عن إيمانه بالولي الفقيه فتأتأ، واسمعوا ما قاله عن الشعب المصري الشقيق.
تارة يمجدون في شعوب ليكسبوا تعاطفهم أو أقلها صوت أو صوتين، وإن لم يحصلوا على ما أرادوا عليه قاموا بشتمهم أو تحقيرهم. وتارة يحاولون مغازلة الفئات الأخرى في المجتمع والتي تختلف معهم. يخرج الخادم ليتسول ود أهل المحرق والرفاع والبديع وغيرهم ويصرخ مشدداً على كلمة «إخواننا السنة»، في كلام كله زيف وخداع وكذب، فهو أصلاً لا يمتلك شجاعة الوقوف في تجمع يضم أهل هذه المناطق سواء في المحرق (ويعرف أين نقصد) أو الرفاع بعمومها أو البديع (ويعرف أين نقصد) أو أي منطقة أخرى أهلها أصلاً لا يعرفونه هو وجمعيته إلا بخناجر الخارج والمنقلبين على الدولة والكارهين للبحرين.
إن كان هناك من تعاطف معهم ومع فبركاتهم وصرخاتهم ذات المبالغات المبنية على الأكاذيب قبل ثلاثة أعوام، فاليوم كثير انتبهوا لحقيقة ما يحصل في البحرين. نعم هناك أمور عديدة تحتاج لحلول جذرية، هناك مشاكل وهموم معيشية، هناك ملفات تحتاج لتعزيز أوجه الديمقراطية فيها من حريات ومحاربة فساد وغيرها، لكن كلها لم تستدع محاولة تغيير شكل بلد ومحو نظام وانتقام من فئات أخرى. بالتالي بات يعرف كثيرون اليوم بأن ما تدعيه الوفاق ومن معها يمكن لجهات مقابلة لها أن تقارعه بالحجة وأن ترد عليه بهدوء ومنطق وبحيثيات وأرقام تفاصيل، وأن أكثر ما يدعونه يمكن أن يدحض من منطلق أهدافه ومسوغاته.
أكبر سقطاتهم هو أصلاً ملف حقوق الإنسان، فالشواهد تثبت الطائفية المعششة فيهم، من يدعي الاستماتة من أجل حقوق الإنسان، أيمكن له في نفس الوقت أن يناصر بشار الأسد قاتل الأبرياء، أو ينبطح للمرشد الإيراني وجرائم النظام هناك بحق المعارضة والطائفة السنية.
نعم المخلصون ملوا من الوضع الجامد ويريدون تطبيق القانون وأن توقف الدولة العبث الحاصل في الأمن وحياة الناس بسبب محاولة «استتابة المنقلبين»، لكن هذا الملل وهذا الإحباط لا يعادل أبداً حقيقة إحباطهم من جراء فشل الانقلاب، لا يعادل أبداً يأسهم من إعادة استنساخ الدوار، ولا يعادل أبداً خيبة أملهم التي تقود لهلوسات يرمى فيها «خيط وخيط!».
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}