المجلس النيابي يمثل رؤية أمة في مستقبل أجيالها ووجودها.. وقبلها أمانة الدين.. وكل ذلك مسؤولية تقع على عاتق النائب
.. وبدأ السباق على الدوائر الانتخابية، ويا ترى من منهم سيحظى بالمكافأة؛ سيارة ومعاش وجواز خاص وأبهة ومكانة من باب البيت حتى بوابة البرلمان، وفي كل مكان يحظى بالتقدير والاحترام بين أهله وعشيرته وأصحابه وجيرانه وحتى أبنائه وزوجته، والتي ستصبح بعدها حرم سعادة النائب، هكذا تتبدل أحوال الرجل المغمور، وبعد أن كان يدور بين المقاهي والمجالس والفرجان يظهر حسن الخلق ويتظاهر بالتواضع الجم والسؤال، ليس عن الأهل والجيران، بل حتى عن أمواتهم من أجدادهم وأعمامهم وخيلانهم، كما سيذكرهم بأيام الطفولة والصبا والوقت الجميل الذي معهم قضى، كما قد يأخذهم لفة بالسيارة أو يقطع لهم تذكرة طيارة، أو يأتي لهم بثلاجة وغسالة، كله من أجل السيارة والمعاش وما يتبعها من سفرات وحفلات ومؤتمرات يكون فيها من كبار المدعوين.
كما سيحظى بتقدير واحترام كبيرين من المسؤولين؛ وزراء ووكلاء ومدراء، فكل هذه الأبهة بالتأكيد تستحق التضحية والعناء عندما يكون القادم واقعاً جميلاً ينقله من حال المغمور إلى شخص معلوم تظهر صوره في كل صحيفة ويتردد اسمه في كل مقهى ومجلس، ويتفسح له المكان فيتصدر الحضور ويحمل له الميكرفون وتقدم له صينية القدوع، لأنه حضرة سعادة النائب (..)، فكم هذا العنوان جميلاً بعدما كان فلان بن فلان، وهذه حقيقة عشناها عندما دخل المجلس الملاكم والموسيقار وغير وغير.
ننتقل الآن إلى جوهر القضية وبين السباق المحموم على من يصل إلى كرسي البرلمان، ألا وهي تلك الأمانة التي يتسابق عليها اليوم رجال ونساء، هذه الأمانة التي سيسألون عنها يوم القيامة، ألا وهي مسؤولية الأمة قبل الشعب، وذلك حين يكون المجلس النيابي هو مجلس أصبح يمثل رؤية أمة في مستقبل أجيالها ووجودها وقبلها أمانة الدين، فكلها مسؤولية تقع على عاتق النائب الذي ظن أن المعاش والسيارة والجواز هي مصدر للسعادة والوناسة، دون أن يفكر بعضهم أن الثمن سيكون باهظاً لا يتصوره، عندما تفتح الدفاتر ويقف بين يدي الجبار.
فالقضية ليست 4 سنوات يقضيها بالعافية، ثم يعقبها معاش تقاعدي يحتفظ به بنفس الميزات ويضمن له عيشاً ناعماً وافراً، بل القضية العقوبة الإلهية في الإخلال بالمسؤولية، عندما يحكم هذا النائب على القضايا المطروحة بأهوائه ومزاجه وحسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية والفئوية، فيزمجر هذا ويصرخ هذا، تاركين مصلحة الناس جمعاً والأمة عموماً، هذا النائب الذي رأيناه في المجالس السابقة يتصدر قضية، وما هي الا أيام فترك ملفها، وذلك بعدما حققت له مصالح في المؤسسة الفلانية والشركة العلانية ترك قضايا تتداول بين الناس فيها فساد مشهود وأدلة موجودة، ولكن لم يلتفت لها ولم ينظر إليها، كما يترك قضايا تقض مضاجع الناس، ومثال عليها القوانين الإسكانية التي تحرم الزوجين من الحصول على وحدة إسكانية لأن راتبهما تعدى المعيار، ورسوم الهيئة التي يدفعها أصحاب الأعمال لتنعم بها تمكين ومشاريعها الخيالية من مخيمات صيفية وبرامج تدريبية بمئات الملايين، وغيرها من قضايا الفساد المستشري من بعض المسؤولين في المؤسسات والشركات الوطنية، عدا عن مسؤولية أمن البلاد التي تتطلب الإجماع على قوانين رادعة تحفظ حقوق الناس، وأولها الأمن والاستقرار، وغيرها الكثير من القضايا التي لا تحتاج إلى ملفات وأوراق، فهي ظاهرة كشمس الظهيرة.
ونأتي بعدها إلى الناخب؛ فمنهم من سينتخب ولد جيرانه أو ابن عمه وخالته أو عضو جمعيته، عندما يكون ترشيحه انتصاراً لأفكاره وميوله وانتقاماً لخصومه، دون أن يراعي الصفات التي يجب أن تتوفر في النائب، ليس من حسن خلق فحسب، بل ثبات هذا النائب على مبادئه وما قدمه من خدمات اجتماعية ومواقف سياسية تصب في مصلحة البلاد والعباد، لا أن ينتخب شخصاً لأنه قدم له خدمة شخصية، أو شخصاً لم يدرِ يوماً عن حال جاره ولا يدري ما حل ببلاده، أو شخصاً يريد أن يترشح ويفوز لوجاهة، كل هذه الاعتبارات التي يجب أن يضعها الناخب قبل أن يختار مرشحه، لأنه قد يرى هذا الاختيار «شخطة» قلم وتنتهي، ولا يدري بعدها عن الحساب في يوم عسير.
أما ذلك المواطن الذي لن يشارك في الانتخابات مبرراً بماذا قدم لنا المجلس وماذا سيقدم، فنقول إنها والله مسؤولية وأمانة عندما تنضم إلى قافلة المقاطعين، الذين سيسرهم عدم مشاركتك، والذين يراهنون على عدد المشاركين، ويرفعون بعدها الأرقام إلى الأمم المتحدة والدول المتآمرة ويصبح بعدها حال هذا المقاطع كحال المقاطعين المعادين للحكم الذين يحاولون بمختلف الطرق وشتى الوسائل إفشال الانتخابات، من المقاطعة حتى تبديد أصوات الناخبين وإضعاف بعض الدوائر.
ورسالة إليك أيها المرشح والناخب والمقاطع بأن تتذكر قول الله تعالى (وقفوهم إنهم مسؤولون)، نعم لم تكن هذه أحوال المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن اليوم نحن أمام ظرف سياسي وفي زمن لا نقدر أن نبدل فيه أحوال الأمة إلا بعد أن نختار خيارها لتولي مصالح الناس.