في مفهوم الإصلاح، لا يمكن أن تتم العملية «مرة واحدة» أو هكذا دفعة واحدة. كذلك لا يمكن لها أن تتم انطلاقاً من مكان واحد حتى لو كانت بتوجيهات عليا، والأهم لا يمكن أن تقوم إلا على أدوات صحيحة.
الإصلاح كشعار مفهوم رائع يستجلب الطموح والتطلع للأفضل، لكن حتى يتحقق يجب أن يتم في كافة القطاعات وبمسارات متوازية وبسرعة متسقة، وهذا لا يتأتى إلا بوجود قناعات متطابقة لدى الأدوات التي تنفذ في كل القطاعات.
شعار «إصلاح الدولة» شعاركبير وواسع، وهي كعملية لا يمكن لها أن تتم هكذا بشكل عشوائي، إذ يجب أن تكون مبنية على إصلاحات مجزأة بحسب كل قطاع، بحيث حينما ينصلح هذا القطاع أو ذاك بمعنى تصحيح الأخطاء وإبدال السلبيات بالإيجابيات فإنه حينها تكتمل الصورة وتنعكس بالتالي على الصورة العامة للدولة.
وعليه نقول، بأن عملية الإصلاح تبدأ أولاً من وضع الأهداف المرجوة، ثم ضمان تعيين واختيار الكفاءات التي هي الأدوات الصحيحة لتنفيذ عملية التصحيح بما يحقق الأهداف، إضافة لضرورة تحديد المدى الزمني وتوحيده بحيث يكون الحراك في جميع القطاعات متزامناً ومتسقاً، ويكون الجميع واصلاً إلى خط النهاية في نفس الوقت.
الفكرة هنا معنية بضرورة تصليح «البيت الداخلي» كلاً على حدة، بحيث يكون المسؤول الأول الوزير أو الرئيس التنفيذي واضعاً نصب عينيه هدفاً يتمثل بتصحيح الأوضاع الخاطئة في قطاعه، ووضع اليد على الخلل وإبداله بالإيجابيات.
نحن ننشغل للأسف في عمليات نقد متوزعة على القطاعات، وحتى من يعملون فــي قطاعــات الدولــة المختلفة وبينهـــم مسؤولون أصحاب قرار ينشغلون بأمور غيرهم من القطاعات، وبعضهم ينتقد القطــــاع الآخر وينســـى قطاعه، عمليــــة الانشغال موجهة بطريقة خاطئة، فمن مسؤوليته المراقبة والانتقاد كديوان رقابة ونواب وصحافة عليهم تأدية دورهم في بيان الأخطاء والتذكير بها، ومن تقع على عاتقهم عملية الإصلاح عليهم الانشغال بأمورهم الداخلية ويجتهدون على إصلاحها.
العملية متكاملة، والخلل يكون في شكل الدولة حينما ينصلح حال قطاع ويبقى آخر على علاته، وحينما يبرز وجه مشرق هنا ويقابله وجه مظلم هناك.
نعــــم «الصــــورة الكليــة» و«المحصلـــة النهائية» مهمة، لكن حتى يتحقق ذلك يجب أن يكون العمل بصورة الفريق الواحد، كل فرد فيه يكون أميناً ومسؤولاً على ما وكل عليه من مسؤولية، حرصه يجب أن يتركز على إصلاح وترتيب «البيت الداخلي» أي قطاعه، ثم تأتي الدولة في النهاية لتقيم الأداء ومدى نجاعة العمل وهل نجح هذا المسؤول أو فشل، وعليه تحديد مكامن الخلل، هل هي في استراتيجية القطاعات أم في بعض المسؤولين الذين ليسوا بحجم المسؤولية.
هـــذا مفهوم عالمي بشكله البسيـــط، إذ تعديل المجتمعات لا يكون إلا حينما يبدأ كل فرد ومواطن بتعديل بيته الشخصي، وهذا يشمل تعديل وتهذيب سلوكه وطريقة تعامله وأقواله وردود أفعاله، ومتـــى ما زاد عدد الصالحين فإن الحالـــة تنتهي بالنهاية إلى الإصلاح لا محالة. والكلام ينسحب على عمل الدولة وعمل قطاعاتها أيضاً.