ذكرنا بالأمس أن غالبية الجماعات الإسلامية المعارضة في الوطن العربي لم تستطع أن تقدم مشاريع نهضوية في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي بطريقة حضارية أو حتى غير حضارية، بل كل ما استطاعت عمله هو أنها شقت نصف الطريق، فأسقطت الحاكم فقط، لكنها لم تأت بالمشاريع الناجزة التي يمكن أن تحل بديلاً للفساد والظلم والتمييز، كما أنها فشلت في معالجة مشاكل الفقر والبطالة والتعليم والصحة وغيرها، بل على العكس من ذلك، فقد جاءت بمشاريع دموية وإقصائية ربما لم تمارسها كل الأنظمة العربية الفاسدة قبلها، وتساءلنا حينها كيف باركت الجماعات الإسلامية هذا الفكر المعارض المتطرف؟ وكيف غذته ومولته؟
في الحقيقة أن مشاريع غالبية الجماعات الإسلامية والجهادية في الوطن العربي هي مشاريع انفعالية وغير مدروسة ولا تتناسب مع واقع الأمة الحديثة، بل نحن نجزم أن غالبية هذه الجماعات التي تدعي بإسلاميتها ما هي إلا جماعات تطرف وعنف، نشأت وترعرعت بين أوساط الفكر المتصلب، سواء كان مصدرها المنازل أو المساجد أو المدارس.
إن الفكر العنيف والمتشنج الذي تنتهجه الجماعات الجهادية ليس وليد اللحظة أو الصدفة، بل جاء عبر مراحل زمنية واعية ومدركة لهذا الفعل، فتمخضت عن هذا الامتداد مجموعة من السلوكيات الشاذة التي لا علاقة لها بالإسلام أو رسالته السمحاء لا من قريب ولا من بعيد، بل ساهم الكثير من الدعاة الغلاة ورجال الدين الغلاظ في ترسيخ التطرف والعنف عبر مناهج وموروثات طارئة لا علاقة لها بقيم الإسلام على الإطلاق.
يمكن للعنف أن يسقط حاكماً، لكن ليس من الضروري أن يقيم دولة عادلة أو يصنع إنساناً رشيداً، بل أثبتت تجارب ما يسمى بالربيع العربي أن الجماعات الإسلامية، الأصولية منها على وجه التحديد، لم تتمكن من إرساء قيم الحق والعدال والمساواة، بل قدمت للعالم نموذجاً سيئاً جداً للإسلام السياسي، وقدمت أسوء أنواع الدكتاتوريات، وأشرس ما خبأته المذهبيات والطائفية بيننا، بل تفننت الأصولية الإسلامية في تشتيت وعي المجتمعات المستقرة، فقدمت للعالم وأبهرته بطرائقها في قضايا الصلب والسلب والنهب والحرق والقتل والسحل وجز الأعناق والرؤوس والاغتصاب وترويع الآمنين وتفجير الأبرياء وآبار النفط، وتفخيخ الإنسان والمشافي والأسواق، ومحاربة التعليم وهناك المزيد!
هذه الجماعات الأصولية استيقظت من المناهج الدينية المزورة ومن وسط الموروثات التاريخية المشوهة، وليس كما يعتقد البعض أنها جاءتنا من كوكب عطارد أو المشتري، بل هي كائنات بشرية تعيش بيننا وتأكل مما نأكل وتشرب مما نشرب، لكن لا علاقة لها بالإنسانية والرحمة.
ربما نتقبل كل هذا الحزن والألم، لكننا من الصعب أن نستوعب بأن هناك من الدول والمؤسسات ورجال الدين ووعاظ المساجد «والدكاترة» من يبارك ويمول ويدعم هذه الجماعات الأصولية، بل ويحرضها على التوغل في الدماء وكل أشكال العنف الممجوج، فإذا وصل بنا الأمر إلى هذا الأمر فعلى الإسلام السلام، وعلى إنساننا ودولنا وشوارعنا ومستشفياتنا وتعليمنا ونفطنا وزرعنا ونسلنا، ألف سلام وسلام!