لم يبهر العالم قطاع طرق قط؛ فقطاع الطرق قد عُرفوا منذ بداية التاريخ بالعصابات والمافيات والمجرمين، وأهم من ذلك فقد وصفهم الله بالمفسدين في الأرض، لم يبهر العالم قط الخارجون على طاعة ولي أمرهم، فقد عُرفوا في كل مكان بأنهم إرهابيون وخونة وعملاء، خاصة أولئك المدعومين من جهات خارجية، ولكن ما أبهر العالم صمود شعب البحرين في لحظة فاصلة من لحظات التاريخ حيث سجل صمودهم ملحمة أمام أكبر مؤامرة في التاريخ، حين تآمرت حثالة مأجورة مع أعداء الأمة الإسلامية وخصوصاً الفرس، فلم يعبأ هذا الشعب لطرابيد إيران الجاهزة، بل خرجوا دون أن يدور في خلدهم هاجس، فقط تذكروا تراب البحرين وأقسموا فأبروا بأنهم لن يفرطوا فيه.
ومــا سيبهر العالم أكثر أن هذا الشعـــب سيمضي بهذا الوطن إلى مرسى الأمان عندما يُسقط المؤامرة مرة أخرى ويكسب الرهان بأنه هو من سيرسم مستقبل البحرين، عندما يذهب ذوو البصيرة الذين نزهت نفوسهم بطاعة الله ورسوله، وعلموا أن المشاركة في الانتخابات واجب حتمي والتفريط فيه هو تفريط في البحرين ومستقبل جيل قادم سيلومهم بأنهم كانوا شركاء في ضياع الوطن.
إن التحديات اليوم أكبر من ظروف معيشية أو مكاسب مادية أو مصالح دنيوية، هو تحدي الأمن والاستقرار الذي لا يعرف قيمته إلا من ذاق مرارة فقدانه، فاسألوا أهل العراق واليمن ولبنان، فهم يعيشون الموت كل لحظة بعد أن صاروا لاجئين في المخيمات، إنه الأمن ولا شيء سواه يا أهل البحرين، إنه الأمن الذي جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»، ومن حديث عبدالله بن عمرو بن العاص حين قال إن رجلًا سأله فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبدالله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادماً. قال: فأنت من الملوك»، وكما قال الشاعر:
إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى
وأضحى صحيحاً جسمه وهو في أمنِ
فقد ملك الدنيا جميعاً وحازها
وحق عليـه الشكـــــر لله ذي المـــنِّ
وها هو شعب البحرين الذي أبهر العالم سيبهره أكثر ليمضي قدماً ليسجل له التاريخ ملاحم صمود قادمة في وجه العدو الذي يبشر بسقوط قادم لدولة عربية بعد اليمن، وها هو أحد المسؤولين الإيرانيين يشيد بما سماه انتصار «الجمهورية الإسلامية في اليمن»، مؤكداً أن النصر الذي حققه الحوثيون سيفتح الطريق لفتح المملكة العربية السعودية، وما يجري في البحرين اليوم إلا استعداد لفتح البوابة الثانية للسعودية، وهنا تقع المسؤولية على شعب البحرين الذين يراهن أعداؤه على تراجعه، وما التحريض الذي يقوده أتباع الولي الفقيه في البحرين إلا المخطط الأهم الذي تعتمد عليه الاستراتيجية الإيرانية بكسر آمال الشعوب ونشر الإحباط في نفوسهم ما يؤدي إلى فصلهم عن أنظمتهم بعد تشويه صورتهم.
لكن من سطر ملحمة الصمود التي أبهرت العالم لن يقدر عليه هذا العدو، لأن شعب البحرين قد مر بمحنة وكانت أكبر محنة يمر بها في تاريخه، لكن ورغم قلة خبرته ورغم صدمته فقد استطاع أن يخرج منها أكثر إصراراً، أتعرفون لماذا؟ لأنه شعب البحرين المؤمن بنصر الله لن يثني عزيمته إحباط أو محبطون، لأنه عرف قيمة الأمن والأمان في ظل دولة عاش أجداده وآباؤه وكذلك ستعيش أجياله القادمة بأمان، هذه النعمة التي تتحسر عليها كثير من شعوب الأرض.
إنها ملحمة الصمود التي ستتكرر بإذن الله، إنه شعب البحرين المقدام الذي عانق أمواج البحر فدانت له، وعشق حرها فأرسل الله له هبات من النسيم لتزيده حباً وتعلقاً في البحرين، إنها البحرين يا أهل البحرين تنتظر منكم الملاحم، فما تقدمونه قليلاً، فانظروا إلى الشعوب التي قدمت أرواحها فداء لأوطانها وأنتم والله منهم، وأنتم اليوم أمام عدو كبير يريد أن يخترقكم كي تكونوا بوابة إلى السعودية، إنها الأمانة في أعناقكم فهل أديتموها؟