طلت من نافذة البيت وهي تصرخ النجدة.. النجدة..، فإذا بالرجل الذي يغط في نومه خارج المنزل يستيقظ ويقول ماذا.. ماذا؟ فتقول له: فأر في البيت، قال لها: لا تهتمي أبداً؛ فالفئران تهرب من القطط، وأحضر قطاً وأدخله البيت، فطلت من جديد وهي تصرخ النجدة، قال لها ألم يهرب الفأر من القط؟ قالت: بلى، لكنه كسر الصحون وأكل السمك! فقال لها: لا تهتمي أبداً فالقطط تهرب من الكلاب، وأحضر كلباً وأدخله البيت، فطلت مرة أخرى وهي تصرخ النجدة.. النجدة، قال لها: ألم يهرب القط من الكلب؟ قالت: بلى، لكنه مزق المقعد وأكل طرفاً منه، فقال لها: لا تهتمي أبداً فالكلاب تهرب من الفيلة، وأحضر فيلاً وأدخله البيت، فدمر الفيل المنزل بالكامل ولم يبق إلا الجدران والمرأة تصيح النجدة.. النجدة، فقال الرجل لا تهتمي أبداً فالفيلة تهرب من الفئران وذهب وأحضر الفأر الذي كان داخل المنزل أول مرة وأدخله فهرب الفيل محطماً ما تبقى من المنزل، فخرجت المرأة وهي تصرخ فأر في البيت.. فأر في البيت، عندها رجع الرجل إلى مكان نومه وهو يقول: في المستقبل سنستعمل مصيدة!.
كان ذلك مشهداً كرتونياً من برنامج افتح يا سمسم، النسخة العربية للبرنامج الأمريكي شارع سمسم، عندما شاهدنا هذه اللقطات قبل 34 سنة كنا نضحك على غباء الرجل، لكن بعد أن مر بنا الزمن ونحن نعيش اليوم هذه الأحداث والحلف الدولي الكبير، تبين لنا أن هذا المشهد جسد سياسة أمريكا والغرب مع الشرق، خصوصاً تلك الدول المشتعلة فيه، فبعد الحرب العالمية الأولى أرادوا التخلص من النظام الإسلامي المتمثل بالدولة العثمانية وقتها وإخراجها من المنطقة بل وحتى من تركيا فسلطوا عليها جيوشهم وسمحوا بإقامة دول ملكية مكانه، وبعد ذلك أرادوا التخلص من الأنظمة الملكية فحركوا عليها القوميين والبعثيين والشيوعيين حتى أسقطوها، فلما أرادوا التخلص منهم كانت صناعة التكفير قد اكتملت عندهم فكان البديل ذلك التنظيم الذي حشدت له أمريكا خمسين دولة لغاية الآن، وكان أهمها بالنسبة لأمريكا تركيا التي يقودها المسلمون من جديد، كل ذلك مع عدم الإعلان عن استراتيجية لهذه الحرب أو رؤية لما بعد التخلص من داعش في هذه المنطقة.
مراحل من التعامل مع دول المنطقة أنهكتنا ودمرت دولنا واقتصادنا، سياسة مزقت النسيج الاجتماعي والأخلاقي والسياسي وحطمت مواطن القوة فينا، فلم يعد في البيت شيء وتحطمت جدرانه وأخيراً فر أهله منه ليصبحوا في الشتات، كل ذلك وأمريكا خارج المنزل وربما تهرب وتترك الخراب خلفها في أي لحظة كما هو عادتها، تلك القصة كانت مجرد مثل والأمثال تضرب ولا تقاس.