قبل أكثر من ثلاثين عاماً عاد أحد الدارسين من أمريكا إلى بلده العربي وقد تخصص في صناعة أغذية رواد الفضاء، وحصل على فرصته الوظيفية هناك، لكنه قرر العودة إلى بلاده ليساهم في تقدمها فقدم طلباً للتعيين وأحيل فوراً إلى هيئة الثروة الحيوانية «حسب تخصصه» وطلبوا منه صناعة خلطات أعلاف تسمين العجول، لأن الدولة عندها عجول تفكر في تسمينها وليس لها رائد فضاء واحد، مما اضطره إلى العودة فوراً ومن يدري لعله عمل في وكالة «ناسا».
بالتأكيد لا يمكن أن يعمل هذا الرجل في تخصصه الدقيق في بلده، لكن كان بالإمكان أن يعمل في وظيفة قريبة من تخصصه؛ كأن يعمل في مجال التغذية البشرية لا أن يعمل على تسمين العجول، لكن السؤال المهم؛ كيف ابتعث لهكذا دراسة من البداية؟! هذه الحالة قد تجيب على بعض الأسئلة منها؛ لماذا لم نخرج من دول العالم الثالث إلى الثاني أو حتى الأول رغم كل ثرواتنا؟ لماذا لم نصنع رغم كل خبرائنا الذين تعلموا في الدول الصناعية؟ ولماذا العقول العربية في الخارج تختلف عنها في الداخل؟
تقدم الدول وتطورها مرتبط بأسباب كثيرة، منها اختيار الكادر المناسب للعمل في مختلف المجالات وعلى رأسها الاقتصادية والصناعية فهي مرتهنة بهذا الأمر، ومن هنا بدأت تتكرر عبارة «الشخص المناسب في المكان المناسب» التي تذكر في كثير من الأحيان للتندر والتهكم، وذلك بسبب الواقع المشاهد في كثير من الدول العربية التي يفسر فيها بعض أصحاب القرار كلمة «المناسب» بالانتماء السياسي أو الانتماء القبلي بغض النظر عن المؤهلات والقدرة على إنجاز العمل، أو قد يضع بعض المسؤولين الأشخاص في أماكن لملء الفراغ فتكون النتيجة عرقلة للتطور والإنتاج.
وهناك جانب آخر في هذا السياق وهو عدم وضوح سياسة التعليم في كثير من الدول العربية، وهو ما ينعكس على البعثات إلى الخارج، فالدولة على سبيل المثال إما أن تقرر أن تكون صناعية فتدفع بطلبتها إلى دراسة الهندسة وما له علاقة بالصناعة وإما أن تكون زراعية فتدفع طلبتها إلى دراسة الزراعة وما يتعلق بها، لكننا نرى خريجين بتخصصات كثيرة بشكل غير موجه، وبالتالي لم تتمكن كل الدول العربية من تحديد هل هي صناعية أم زراعية، هذا بالإضافة إلى عدم توافر البيئة الحاضنة لكل الخبرات التي من شأنها تطور الدولة وإحداث نقلة فيها، فلا الدعم المادي ولا التشجيع ولا فرص الإنتاج تتوفر للعلماء العرب في بلدانهم فيضطرون للعودة إلى بلدان الدراسة الغربية ليأخذوا الفرصة هناك.
إن اختيار الشخص المناسب في المكان غير المناسب هو سبب عدم تقدمنا، وأن عدم توافر البيئة المناسبة لعلمائنا هو سبب هروبهم إلى الخارج وإذا بقينا على هذا الحال فلن نتحول إلى العالم الثاني.