أكثر الأوقات شغفاً هو الوقت الذي نكون مترقبين فيه إجازة طويلة إلى حد ما، إجازة تمتد من أطراف نهاية الأسبوع ممتدة إلى منتصفه أو خاتمة بنهاية أسبوع آخر. هذه الفترة من الإجازة كفيلة بأن تجعل المزاج أكثر رواقاً وتكون الابتسامات موزعة يميناً ويساراً دون حسبان والنفسية في قمة الروعة، ولكن سرعان ما تتبدل هذه الأفراح أحزاناً والمزاج الجميل يصبح في خبر كان، وأحلام السبات في ساعات الفجر الأولى تصبح مجرد ذكريات عندما تعلم بأن ترتيباً لا دخل لك به طرأ على الإجازة، وعليك أن تداوم في عملك أو تتوجه إلى مدرستك أو جامعتك في يوم أنت نفسك اختزلته واعتبرته يوماً مضافاً لأيام الإجازات، لتكتشف أن اليوم أصبح يومين وانفردا يوما نهاية الأسبوع وأصبحا وحيدين.
وفي عز عدم الرضا التي كان يعيشها الناس والكلمات البائسة التي كنت أسمعها والرسائل الحزينة التي كانت تتطاير بين جميع الأطراف فيما يخص الانشقاق الحاصل للإجازة العزيزة، فقد أذهلني طريقة رد صديقتي التي كانت تقنع أبناءها بكل الحجج والبراهين أنه لابد عليها من الالتزام بالقوانين وعدم اللجوء إلى اختراع الأكاذيب لكي تضيف تلك اليومين إلى رصيد إجازتها، وأنها عليها الذهاب إلى العمل وعدم الخوض في الكثير من القيل والقال.
سألتها: بس أنت يحق لك الحصول على يومين أليس كذلك؟ غمزتني بطرف عينها وردت سوف أخبرك بالتفاصيل بعد أن أتأكد أن أبنائي في حديقة البيت لاهين.
فقالت لي؛ إن اليوم فيه 24 ساعة، وإن بدأت يومي من الساعة الخامسة صباحاً؛ فلدي منهم 8 ساعات في العمل أجلس على مكتبي أحتسي فنجان قهوتي وحبات التمر، وعند الظهيرة أصلي وبعدها أتناول قطعة خبز، ما إن يأتي وقت انتهاء الدوام إلا وأنا متأكدة بأن كل أعمالي المكتبية قد أنهيتها، فهمي وبالي متمحوران في جانب واحد ومطمئنة أن أولادي في المدرسة وأمورهم كويسة، لا ينقصهم أمر ولا متطلب مني اتجاههم حاجة. بالإضافة أنني على يقين بأنني سأحظى ساعة راحة عند العصر ويكون موعد نومي لا يتعدى الساعة العاشرة مساء.
أما في الإجازة فأنا أستيقظ الساعة الثامنة وأكون تعبانة لغاية وقت نومي التي بالتأكيد تتعدى الساعة الحادية عشرة مساء.
وذلك لأنه علي أن ألبي طلبات أبنائي التي لا تنتهي، فأنا الأم وأنا الأخت وأنا الصديقة وأنا السائق.. وغيرها الكثير من الالتزامات التي لا تعد ولا تحصى. مضيفة لي هذا ناهيك عن الالتزامات المتوازنة التي يجب أن أقوم بها اتجاه عائلة زوجي وعائلتي.. فإن زرت بيتاً وأجلت زيارة بيت آخر، فلابد أن أعلم أنني سوف أدخل حرباً من الجدل والكلام، لذا فإنني أقصر على نفسي وأرمي راحتي مقابل أن أستشعر فرحة وراحة من حولي.. ولا يمكننا أن نتغافل أن المصاريف تزيد وميزانية البيت تنحرف عن مسارها الطبيعي في أيام الإجازات، وتقومين بدفع أمور لم تكن في الحسبان!
ولأني مؤمنة بالمقولة التي تقول «إن لبدنك عليك حقاً» لذا فإن راحتي الحقيقية تكون في مكان عملي يا عزيزتي.
سمعت كلامها وتأملت آلامها ومعاناتها، والتي هي حقيقة معاناتنا جميعاً، ولكن لربما أول مرة أسمع هذا الكلام بأدق تفاصيله وتعابيره، وتستوقفني بعض المحطات التي لم أعرها سابق اهتمام.
اليوم استلمت رسالة منها مع ابتسامة كبيرة تذكرني بقيمة الخميس الونيس منتهية بكلمتين «افتقدتك يا الإجازة» وأنه لابد أن نستمتع بنهاية أسبوع لذيذ شرط أن يكون خالياً من الكوابيس!
قرأت رسالتها بكل حب وتذكرت كلاماً سمعته من فترة يقول: «الضحك فرح النفس.. فمتى استطعنا الضحك استطعنا الحياة»، «إننا نحب الورد رغم الأشواك التي تعانقه.. وهكذا الحياة». «إذا وقعت في حب الحياة كان اليوم الواحد في عمرك يعادل ألف يوم، وإذا كرهت الحياة خسرت كل أيام عمرك وعشت ميتاً وأنت حي»