من دون ذكر الاسم كي لا يفهم أنني أروج لمترشح بعينه وأعمل له دعاية، لفتني خلال حضوري محاضرة ألقاها مترشح نيابي بمحافظة المحرق في خيمته الانتخابية ابتعاده عن دغدغة مشاعر الحضور بالحديث عن زيادة الرواتب وتحسين المعيشة وبقية محتويات «العرض الترويجي» المتمثل في حل مشكلتي الإسكان والتوظيف، حيث عمد بدلاً عن كل هذا إلى التركيز على موضوع المحاضرة التي كشفت عن قدراته في تخصصه، وأوصل من خلالها أيضاً أن دور النائب هو التشريع والرقابة وليس تقديم الخدمات، وأنه في كل الأحوال فرد لا يمكنه لو وصل إلى المجلس الوفاء بتلك الوعود التي يستسهل المترشحون ربط أنفسهم بها وهم يعلمون جيداً أنهم لن يتمكنوا من ذلك، خصوصاً مع انخفاض سعر برميل النفط الذي اعتمدته الحكومة في ميزانيتها.
المثير أن أغلب المترشحين يعمدون إلى نثر الوعود يمنة ويسرة وهم يعلمون جيداً أنهم دون القدرة على الوفاء حتى بجزء منها. ربما يفعلون هذا لأنهم متأكدون أن الناخبين لن يلاحقوهم بعد أن يصلوا إلى المجلس ولن يتمكنوا من محاسبتهم، وأنهم سينسون كل ما حدث بعد أربع سنوات قوامها أكثر من ألف يوم، فهي تكفي لنسيان كل شيء. وما يجعل المترشحون لا يترددون عن ممارسة نفس اللعبة هو أن من مارسها قبلهم لم يمسهم سوء ومرت الأمور سلام سلام.
اليوم يفترض أن الناخب وبعد أن ذاق ما ذاق من ألاعيب بعض المترشحين أن يكون قد استوعب اللعبة جيداً، وأنه وصل إلى قناعة مفادها أن المترشح للمجالس التشريعية مثله مثل الخباز الذي يفتح تنوراً جديداً في الفريج، حيث يعمد إلى وضع السمسم على الخبز في الأيام الأولى ليروج بضاعته قبل أن يبيع الخبز سريعاً من دون سمسم وربما عجيناً.
ليست الوعود الفارغة هي التي يبحث عنها الناخب، وليس بهذه الوعود يمكن للمترشح اليوم إغراءه ليصوت له دون غيره. اليوم يبحث الناخب عمن يمكنه أن يخدمه بالفعل ويخدم الوطن، لذلك فإنه يتجه إلى أصحاب التخصصات التي يحتاجها المجلس ليتمكن من ممارسة دوره المتمثل في التشريع والرقابة.
في الأمسية نفسها طرحت مسألة افتقار بعض لجان المجلس النيابي في الفصول التشريعية الثلاثة الماضية لمتخصصين، ورأى البعض أن غياب المتخصصين يعني أن اللجان تعتمد على واحد من أعضائها هو الأقرب إلى الموضوع قيد الدراسة، بل إنه في الغالب توافق اللجنة على ما يأتيها من الحكومة وتعتمده وتوصي به.
المسألة الأخرى التي طرحت هي أن النواب يبخلون على أنفسهم وعلى المجلس؛ فلا يهتمون مثلاً بتوفير من يعينهم على جمع المعلومات وتوفير الاستشارات لهم، فيذهبون إلى تلك اللجان ليحضروا مناقشة موضوعات لا يفهمونها، فلا يجدون أمامهم غير الموافقة على كل ما يطرح ويقرر.
ما ينبغي التأكيد عليه هنا وإقناع الناخب به هو أن المجلس إن غاب عنه المتخصصون في مجالات معينة ضاع، وإن دخله من يبخل على نفسه فلا يخصص جزءاً من مدخوله لذوي الخبرة يعينونه على أداء الدور المنوط به كي لا يبدو كما «الأطرش في الزفة» ضاع.
المسألة ليست مســألة الوصــــول إلى المجلس ولكنها مسألة العطاء، لذلك فإن على الناخب أن يكون متيقناً من أن من سيختاره سيشكل إضافة إلى المجلس وأنه سيتمكن بالفعل من أن يكون ممثلاً حقيقياً له ومشاركاً موجباً وليس مجرد ديكور.
كل مترشح يقدم للناخب ذلك «العرض الترويجي» البليد الذي يحمل عنوان تحسين المعيشة لا يدرك أن ناخب اليوم يختلف عن ناخب الأمس، وأنه صار يعلم أن هذا العرض تجاري وأنه «لزوم الشيء»، لذلك فإن دغدغة مشاعر الناخب تعبر عن قلة استيعاب وسوء تقدير لقدراته العقلية