ليس للمواطن حجة في (التحلطم) على سوء إدارة موارد الدولة، وظلم توزيع الثروات، فلديه ممثلون في المجلس النيابي والبلدي ومهمتهم هي «زيادة وإدارة» هذه المداخيل والتأكد من وصولها للمواطن بشكل مباشر وعلى شكل خدمات، بما يملكه الاثنان (النيابي والبلدي) من اختصاصات وصلاحيات تمكنهما من أداء مهامهما إلى جانب السلطة التنفيذية، فلا تستطيع السلطة التنفيذية أن تنفرد بهذه الهمام وحدها لا اختصاصاً ولا صلاحيات، السلطة التنفيذية تضع برنامجها الذي تراه مناسباً لزيادة ولإدارة موارد الدولة، وتشاركها السلطة التشريعية اليوم في تمريره وتمرير الميزانية المنفذة له.
إضافة إلى ذلك، فإن الأدوات المتاحة للأفراد والمؤسسات المدنية من حريات في التعبير ومن توفر وسائله في متناول الجميع يجعلهم شركاء فاعلين في إدارة هذه الموارد، ولدى المواطن قضاء مستقل ومحكمة دستورية تنظر في الطعون الدستورية لتقضي بين المواطن والدولة، فإن كنا نلوم «الدولة» على سوء اختيار السلطة التنفيذية فما عذرنا في سوء اختيار السلطة التشريعية؟!!
الاختصاصات والصلاحيات التي يملكها النيابي والبلدي وسقف التعبير الذي يملكه المواطن والعدد الكبير من المؤسسات المدنية النفعية منها والمهنية يجعل من الإرادة الشعبية أكبر من كونها مجرد «شريك»، بتلك المؤسسات مع المساحة الواسعة في التعبير أصبح للمواطن أكثر من ثلثي الأسهم ويملك الأغلبية في الجمعية العمومية.
دعك من اللاعب الذي يتعذر بسوء التحكيم وسوء القوانين وبنقص اللاعبين وبصغر الملعب أو يتعذر بأي سبب يبرر فيه عدم اللعب، فذلك من مصلحته إقناعك بمبرراته حتى لا يظهر بمظهر المتخاذل، إنما الصحيح أنه بإمكانك كمواطن فعل الكثير حين تحسن اختيار من ينوب عنك في الإدارة وحين تبقى مراقباً له طوال فترة إنابته.
لا يوجد برلمان ناجح منذ سنواته الأولى، لا توجد تجربة ديمقراطية كاملة منذ سنواتها الأولى، جميع التجارب تعثرت في البدايات ومثلت برلماناتها الأقليات لا الأغلبية، وتمصلح من ورائها البعض لا الكل، إنما تطورت التجارب بتطور وعي الناخبين، تحسنت بتراكم خبرات النواب، هكذا تبنى الأمم وهكذا تتطور التجارب، يؤخر أو يعجل من تطورها وعي الناخبين أكثر من كفاءة المترشحين وأكثر من صلاحيات النص، وعي الناخبين هو ما يرقى بمستوى المترشحين هو ما يجبر النواب والوزراء على التزامهم.
كما إن الدول لا تدار في الشارع بالثورات والعنف والإرهاب وقطع الطرق وبالدعوة لهدم ما هو موجود والبدء من نقطة الصفر في كل مرة، كما إن إدارة الدولة لم تكن أبداً داخل القبة فقط أو في بيت الحكومة أو الحكم فقط، إدارة الدولة عمل جماعي يراقب فيه المواطن بوعيه أداء رئيس الوزراء ووزرائه ويراقب نوابه الذين اختارهم.
التغيير في الدول المتطورة لم يكن أبداً بضغطة زر، والنتائج ليس بالضرورة نجني ثمارها نحن، فإن جنى أجيال الدولة الديمقراطية ثمارها اليوم، فما ذلك إلا لأن أجدادهم صبروا وواصلوا وجمعوا النجاحات الصغيرة، أجدادهم لم يتوقفوا ولم (يتحلطموا) دون عمل ودون تفاعل ودون إيمان وقناعة أن الجلوس على القمة يحتاج بناء الطوابق واحداً تلو الآخر وانتظار لتجف (صبية) كل طابق قبل أن يبنوا الذي يليه.
كل نجاح وكل تطور كان من ورائه قصص وحكايات تروي مسيرة وكفاح، طوروا البرلمانات وطوروا القضاء وطوروا المجتمع المدني، طوروا المنظومة كاملة التي تدير شؤونهم نمواً متكاملاً لا أعرج، لا ينفع تطور النص دون تطور القائمين على النص، لم (يحرنوا) إما اللعب ضمن شروط كاملة وإلا فلن نلعب، لو فعلوها لما كانوا وصلوا لما وصلوا له، لما جنى أبناؤهم ثمار كفاح الأجداد... لهذا ندرس التاريخ، لهذا نقرأ!