لماذا الشرق الأوسط؟ ولماذا هو دون سواه؟ وهل هي صدفة أن تقوم الدول الكبرى ومنذ عشرات الأعوام بتتبع هذه المنطقة ومعرفة أدق تفاصيل تفاصيلها، لأجل البقاء طويلاً بعقود غير مؤجلة في دولها وعدم الخروج منها إلا بوصايا وانتدابات قبيحة؟
إن غالبية الصراعات ومعارك الاستنزاف التي خاضها الغرب بعد سقوط الدولة العثمانية كانت حروباً شرق أوسطية، سواء كانت مباشرة أو عن طريق وكلاء أو وكلاء الوكلاء. فتارة يشعلون حروباً تخص النفط وأخرى تخص المياه، وبعضها من التي تمارس بالوكالة غالبيتها حروب دينية لتشتيت وعي المجتمعات وإشغالها في دوامة حروب مكلفة وغير منتجة.
كل المعارك التي خاضها الغرب ضد دول وشعوب الشرق الأوسط هي حروب نفوذ وسيطرة من طرف الدول الكبرى لأجل الهيمنة على ثروات الدول الصغيرة المنشغلة أساساً بداخلها المتهالك، أو عبر الحروب الدينية والمذهبية التي أنتجت سيلاً جارفاً من الويلات، حتى تحول الشرق الأوسط في عمومه إلى بؤرة للفساد والإرهاب والتخلف والعنصرية والطائفية، ومازال المسلسل مستمراً حتى هذه اللحظة.
إن ما يجري اليوم في هذا الشرق الجريح ليست صدفة عمياء أو خطة أعلنتها قبل أعوام قليلة «كوندوليزا رايس» تحت مسمى «الفوضى الخلاقة»، بل هي مؤامرة كبرى نسجت خيوطها بعد الحرب العالمية الثانية، ولولا حركات التحرر العربية من قيود وبراثن الاستعمار لكنا اليوم عبيداً نباع في سوق النخاسة الغربية، لكن وبالرغم من وجود مقاومة شرسة من طرف الشعوب الحرة برفضها كل أشكال الاستعمار إلا أن الكثير من الدول الأوسطية ولأسباب سياسية خالصة تراجعت عن مكاسبها التي تحققت قبل نصف قرن من الزمان، حتى عدنا لنقطة الصفر!
إن الصراعات الملتهبة في الشرق الأوسط كلها تتعلق بقيمة ثروات هذه المنطقة وبموقعها الاستراتيجي الهام جداً في العالم، فلا هي صراعات طائفية ومذهبية ولا هي معارك لإنتاج الحريات والديمقراطيات، بل كل ما يجري من صدامات دموية قاسية هي نتاج طبيعي بوجود خلفيات محكمة وصلبة بالتهام خيراتنا تحت ذرائع متنوعة، لعل من أبرزها ما يسمى اليوم بالربيع العربي.
انتهت المواسم كلها، وانتهى الصيف والشتاء والخريف ولم يأتِ الربيع العربي، واكتشفنا أن كل ما يجري اليوم هو إشغال العالم الأوسطي بحروب وصراعات بينية زائفة، هدفها خلخلة الدول وتمزيق الشعوب، كمقدمة علمية لتقسيمها بإرادة غربية، والمحصلة الأولية لهذه الحرب الخبيثة يتلخص في الآتي؛ إنهاك شعوب المنطقة، وإضعاف كافة الأنظمة، وسرقة كل خيراتها، والنتيجة كما التالي؛ لم نحصل على قيمة ثرواتنا الحقيقية فعشنا في قلب الفقر ولم نحصل على الديمقراطية فبقينا بين العبودية والاستحمار.
أما المصيبة العظمى من وراء كل هذه المشاهد الفوضوية والدموية المخزية هو قتل القضية العادلة في الشرق الأوسط «القضية الفلسطينية»، كمقدمة علمية أخرى لتهويد بيت المقدس وتفريغ محتوى القضية من نفوس العرب والمسلمين.
إن أحداث القدس الأخيرة وجرأة الكيان الصهيوني بتدنيس المسجد الأقصى، ما هي إلا نتاج عملية سياسية وعسكرية ومخابراتية غربية طويلة الأمد كان يعد لها في مطابخ دول مليئة بالطمع والجشع وكره الإنسان.
على العرب اليوم أن يستيقظوا ولو للحظة واحدة لمعرفة ما يدور حولهم، قبل أن يسقط من أيديهم ما تبقى لهم من كرامة أو أرض أو عزة، كما من المهم لهم ومن الآن أن يحيوا القضية الفلسطينية بكل أبعادها وفي كل المحافل وفي كل الأوقات، فهي أم القضايا التي بسببها تحاربنا إسرائيل ونوابها ووكلاؤها في المنطقة وفي كل العالم. الوقت أصبح ضيقاً أكثر مما تتصورون.