لفتني إعلان لبحريني رشح نفسه لمجلس النواب تضمن صورته واسمه وعبارة «المترشح من أجلكم»، ولعله الإعلان الوحيد الذي تضمن هذه الجملة الصحيحة من حيث المعنى، فصاحب اللوحة يقول إنه مترشح من أجل المواطنين في دائرته، أي أنه هو الذي رغب في ترشيح نفسه واتخذ قراره وتقدم لهذا الأمر، فهو مترشح من أجل الآخرين الذين إن وثقوا فيه وقدروا أنه يمكن أن يسهم في الارتقاء بهم وبالوطن انتخبوه، وهذا يعني أنه ليس «مرشحهم» لأنهم لم يرشحوه ولم يطلبوا منه الترشح. أما المفردة التي اعتمدها المترشحون الآخرون من دون أن يلتفتوا إلى معناها وتأثيرها السالب وهي «مرشحكم» والتي وضعوها قبل أسمائهم؛ فتوحي بغياب الصدق لأنهم ببساطة لم يطلب منهم المواطنون في دوائرهم الترشح، فلو كان فلان مرشح أبناء دائرته فلماذا يدعوهم إلى انتخابه وهم سينتخبونه في كل الأحوال؟!
هذه إشكالية من شأنها أن تلقي الضوء على مستوى كثير من المترشحين، وتوقع مستوى المجلس المقبل، ففي مجلس النواب يحتدم النقاش وتتشكل اللجان أحيانا من أجل التأكد من معنى كلمة معينة اختلفوا فيها، فإذا كان المترشحون هذه المرة -أو للإفلات من خطأ التعميم نقول أكثرهم- لم ينتبهوا إلى الفارق بين معنى مترشح ومرشح، فكيف سيتمكنون من الإسهام في مناقشة مواد يؤدي وضع كلمة فيها مكان أخرى إلى تغيير المعنى وتغيير قوانين واتجاهات؟
ليس القصد من هذا التقليل من شأن المترشحين؛ فجميعهم محترمون وإقدامهم على المشاركة في الانتخابات بالترشح مقدر ومشكور ويعبر عن وطنيتهم، ولكن القصد هو تنبيه الناخب إلى أهمية الاجتهاد في عملية الاختيار وعدم وضع علامة الصح على صاحب الصورة الأجمل أو المحسوب على فلان أو علان أو لأنه الصديق أو القريب، فهؤلاء جميعهم إن لم يكونوا في مستوى العطاء سيتسببون في الإضرار بالبلد وبأبنائه، وسيتيحون الفرصة للحكومة كي تدير المجلس على هواها، فلا يقرر المجلس إلا ما تريده الحكومة ولا يرفض إلا ما تود أن ترفضه، وهذا سيؤدي إلى اختلال الثقة وانتزاعها من المجلس وأعضائه واعتباره تابعاً للحكومة ومنفذاً لأوامرها وقراراتها، دون أن يعني هذا أن المجالس الثلاثة السابقة «ما كان عليها زود»!
في السياق نفسه يمكن محاكمة الكثير من العبارات التي اعتمدها بعض المترشحين في إعلاناتهم بغية التسويق لأنفسهم اقتطفوها من برامجهم الانتخابية، فأحدهم على سبيل المثال يؤكد أنه سيسعى إلى ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، وآخر يؤكد على أنه سيسعى جاهداً إلى تشكيل لجنة لتوظيف البحرينيين، وثالث ورابع وخامس يؤكدون على أمور السعي إلى حل مشكلة الإسكان أو تمكين الشباب أو تقليص الدين العام، من دون أن ينتبهوا إلى أن كل هذه الأمور متوفرة ومطبقة وشهد الناس الكثير من نتاجاتها، فوزارة التربية والتعليم لديها لجان مشتركة مع وزارة العمل ومختلف الجهات ذات العلاقة بالتعليم والتوظيف منذ سنين عديدة مهمتها ربط مخرجات التعليم بسوق العمل وإلا على أي أساس يتم توزيع البعثات والمنح الدراسية ويتم شغل الوظائف في الدولة؟ ووزارة العمل لديها لجان مع الجهات ذات العلاقة بالتوظيف وتبذل جهوداً كبيرة لتحقيق هذا الهدف وإلا لارتفعت أعداد الباحثين عن العمل وزادت عن النسبة التي يعلن عنها شهرياً، وكذا الحال مع الإسكان والشباب والدين العام حيث تسعى الدولة منذ سنين إلى كل ذلك، أي قبل أن يفكر المترشحون في هذه الأمور!
ربما كان الأفضل والحال هكذا أن تبادر الدولة مستقبلاً بوضع برنامج تدريبي إلزامي للمترشحين لإكسابهم مهارات إعداد البرنامج الانتخابي وغير هذا من متطلبات أساسية تحفظ على الأقل ماء وجه المترشح الذي يعاني من فقر في كل ذلك