هل سيكون إفراز الانتخابات الحالية بنفس مستوى المجلس السابق أو اللذين سبقاه؟!
ربما نعم.. وربما أسوأ.. لكن من يحدد ذلك هم الناس
هناك إحباط في الشارع؟! نعم، وهذا واقع. هناك يأس يصاحبه؟! نعم، وهذا موجود وهو واقع!
لكن، وهنا توقفوا عند كلمة لكن؛ إذ على امتداد التاريخ البشري نهضت حضارات وسقطت أخرى. تفوقت شعوب واندحرت أخرى. سطع نجم إمبراطوريات وتفتت أخرى. واقع حال كان يمضي في اتجاه واحد، فإذا به يتغير وينقلب وكأن المسار أصبح في اتجاه آخر.
ليست ألغازاً أو طلاسم بل هي معادلات بحتة، ومن يتبحر في العلوم البشرية يدرك تماماً بأن سير الأمور في هذا العالم قائم على المعادلات وقائم على الرياضيات، وبتبسيط أكثر قائم على الفعل وردود الفعل وتغيير المسارات أو تكيف الظروف في اتجاه معين.
نحن نعيش في مجتمع تأتت له فرص عديدة في اتجاه التغيير، مفترقات طرق عصفت بالبحرين وأدت لمرات ومرات إلى مراجعة الطرائق والأساليب، بل حتى السياسات العامة. لكن كل هذا التغيير لم يكن له أن يحصل لو كان القائمون عليه يائسين، بل هو من الاستحالة أن يوجد أو ينتظر بزوغ فجره لو كنا ننتظره من يائس.
عندما ننتقد وعندما نضع أيدينا على الجروح، وعندما نقسو على أداء لم يرتق لطموح البشر (الذي هم العمود الفقري لأي دولة) سواء أكان أداء من الدولة والحكومة أو من النواب الذين منحهم الشعب ثقته، فإننا هنا لسنا ندعو لإحباط يتوجب عليه أن يسود، لسنا ننشر هواء سلبياً ضاراً يصاب من يستنشقه بداء عدم الرضا والغضب والحنق والتذمر؛ بل وضع اليد على الأخطاء وانتقادها هو بمثابة التشخيص الذي يقوم به الطبيب لأي مريض يعاني من علة أو داء، بناء عليه -أي التشخيص- يصف العلاج ويلزم المريض باتباعه بدقة إن أراد الشفاء.
بالتالي تجربة 12 عاماً مع البرلمان الذي صوت الناس لأعضائه لا يجب أن تخلق لدينا شريحة متزايدة متعاظم عددها من اليائسين، ونقولها ونحن جادون؛ من يريد التغيير ومن يقاتل من أجله ومن يضع الإصلاح والتعديل نصب عينيه ويعتبره هدفاً أثيراً يمنح لحياته معنى ومغزى، لا يجب على هؤلاء أن يرفعوا الراية البيضاء أبداً، لا يجب عليهم أن يستسلموا أمام أي ريح قوية عاتية.
لو لم يتجرأ قباطنة البحار الذين خاضوا مواجهة قد تكون قاتلة مع أعتى العواصف وأطغى الأمواج في المحيطات لما اكتشفت قارات وعوالم. لو لم يضح عباس بن فرناس بنفسه وهو يحاول محاكاة الطيور في طيرانها لما وجدت الفكرة الأولى للطيران الذي في يومنا هذا نرى فيه أطنان الحديد تطير حاملة مئات الناس.
الحياة كلها تحديات، اليائسون هم من لا يذكرهم التاريخ أبداً، وإن ذكرهم فسيذكرهم بجبنهم وسلبيتهم. لذلك في الغرب يدرسون أطفالهم كيف يكونون دائماً رابحين (ونرز)، اليأس لا مكان له في القاموس، ونحن للأسف في دولنا العربية نقولها وفق قول شهير «لا يأس مع الحياة»؛ لكن هل نطبقها فعلاً؟! بل هل نحن أصلاً مقتنعون بها؟! بل (وهذه الأدهى) هل نعي ما قلنا وما تعنيه الكلمات؟!
إنهاء لهذه الفلسفة الحياتية، نحن نخوض اليوم غمار انتخابات وسط تباين في آراء الناس ومواقفهم، وبشأن القناعة بقوة البرلمان ومدى فاعليته قد يتفق الغالبية على لبس نظارة، إن لم تكن سوداء فستكون داكنة، ولكل ردة الفعل هذه مبررات ومسوغات قوية، والمسببات لها كثيرة لكن أساسها الانهزام السريع لمن قالوا للناس سنمثلكم أمام المغريات أو استسلامهم أمام الضغوط، كثير منهم دب فيهم اليأس سريعاً فنقلوه إلى الناس بسلبيتهم.
بريطانيا التي يضرب الجميع فيها المثل بالديمقراطية، لم تصل إلى مستواها الديمقراطي اليوم إلى بعد ممارسة امتدت لقرابة خمسة قرون، وفي هذه الفترة الزمنية سادت الناس احباطات ومشاعر سلبية أوصلت الأمور حتى لدماء وصراعات وجرائم، وها هم اليوم في وضع مختلف فماذا تغير؟! هل تغير البرلمان وهل تغيرت القوانين؟! ربما وبشكل كبير، لكن ليست هي أساس التغيير، بل الأساس كان في نمطية الناس، كان في سلوكهم، كان في تطور أفكارهم وأفعالهم. طبعاً ليس الكل، لكن قادة المجتمع، من يثق بهم الناس، من يعملون ليكونوا في موقع دليل الطريق المظلم للبشر، هؤلاء لم يكونوا يائسين، بل كانوا محاربين لأجل التغيير، لأجل مصلحة دولتهم ولأجل مصلحة الناس.
هي تكمن بالممارسة المبنية على قناعة راسخة لدى الإنسان بضرورة مسح كلمة اليأس والإحباط من القاموس. من يرفع الراية اليوم ويقول سأترك الملعب لغيري، المنطق يفرض عليه أن يعتزل نهائياً وألا يعاود محاولة الملعب، وألا يتحدث أيضاً معلقاً مستهزئاً أو متعالياً، إذ هو من ترك الميدان لغيره، هو من قبل بأن تكون رايته على الأرض بينما الآخرين يحاولون.
هل سيكون إفراز الانتخابات الحالية بنفس مستوى المجلس السابق أو اللذين سبقاه؟! ربما نعم، وربما أسوأ، لكن من يحدد ذلك هم الناس، إن كان اليأس يدب فيهم فلن يتغير شيء، لكن إن كان الإصرار موجوداً بألا استسلام، فأقل وأسهل التفكير بالبحث عن بدائل يتم توسم الخير فيهم، بالبحث عن أناس يكونون أقرب لهموم البشر، يكون الصدق واضحاً فيهم، وهكذا تتم العملية، إن أخفقنا اليوم في تقوية المجلس كله فلربما ننجح في تقوية جزء منه، ويمر الزمن فيقوى جزء أكبر، حتى نصل لمرحلة نقول فيها «الحمدلله نضجت التجربة»، والصحيح هنا بأن البرلمان لم ينضج، ولا حتى قوانينه، من نضج هو الأداء هو أناس نضجوا بسبب مواطنين نضجوا في وعيهم وأصبحوا أقوياء في اختياراتهم، أوصلهم لذلك كله إصرارهم وعدم القبول بالاستسلام والانهزام.
تذكروا هذه الجملة، فوالله هي تحرك الدماء في العروق وتصنع فورة إصرار غير طبيعية، إن كنتم من المقاتلين لأجل التغيير والتصحيح والإصلاح.. اليائسون أبداً لا يصنعون التغيير.