ليس عيباً أن يكون الإنسان متديناً ويعلن ذلك أمام الملأ، بل من فضل الله تعالى أن يهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم، فالإيمان الحقيقي، وليس المزيف، هو نعمة من الله على عبده يجب أن يشكره عليه وأن يبدي إيمانه بفخر أمام كل الدنيا.
لا غبار على ذلك، لكن ما يمكن أن يبدو مستهجناً هو أن يتحول الإنسان السياسي إلى نصف رجل دين أو إلى إنسان متدين بين عشية وضحاها، والأدهى من ذلك كله هو أن يكون «توقيت» تدينه مشبوهاً بسبب بعض الظروف السياسية أو الاجتماعية المحيطة به.
ربما يكون تدين الفرد قديماً «فعلاً» حسب التوقيت الزمني للمجتمع، لكن لو تتبعنا تاريخ إيمان وتدين بعضهم، لوجدنا أنهم تظاهروا بالتدين لأسباب سياسية فأصبح جزءاً من حياتهم الاجتماعية لا يستطيعون أن ينفكوا عنه، ولذلك فإنهم يشبهون لحد كبير من تحدثنا عنهم قبل قليل، ومن هنا أيضاً وبطبيعة الالتزام الديني للمجتمع البحريني يبدو أن الدين يعتبر من أكثر المظاهر قبولاً عند الناس، ولذلك فإن نجاح أي مشروع سياسي لابد أن يكون له رائحة دينية واضحة، حتى ولو كان صاحب المشروع رجلاً»لوفريا» أو رفيقاً «شيوعياً» معتق منذ القدم، فالدين هو التجارة الرابحة في عصر السياسة.
ما دعانا لطرح مثل هذا الموضوع هو قيام بعض المترشحين السياسيين للانتخابات النيابية والبلدية القادمة بتقمص كامل الشخصية الدينية التي تحدثنا عنها، وذلك عبر تغيير شكله وهندامه وسلوكه فجأة واحدة، بينما قبل دخوله معترك الانتخابات، وكما يعرفه كل الناس، بأنه كان رجلاً طبيعياً لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد، فما الذي تغير إذن؟
اليوم بعض من هؤلاء بدؤوا بإطلاق لحاهم وبدؤوا يواظبون على الصلاة في المساجد، كما إن الكثير منهم بدأ يتحدث عن أهمية تطبيق شريعة الله، وكأن «الأخ» يعيش في دولة كافرة لا يؤمن ناسها بالله ولا برسوله ولا بالقرآن الكريم، فتجدهم أحياناً يضطرون لوضع بعض النصوص والمفردات المشبعة برائحة الدين في منشوراتهم الانتخابية التي يقومون بتوزيعها خفية تحت أبواب المنازل في مناطقهم لإقناع الناس بقداستهم الزائفة.
هؤلاء النفر من المتدينين الطارئين على الساحة الدينية، يدركون جيداً مدى بساطة الكثير من الناس الطيبين في هذا المجتمع المتدين أصلاً، فيقومون بالتصنع المزيف للشخصية المتدينة تديناً مؤقتاً في سبيل كسب أكبر عدد من الأصوات يوم «الملحمة»، ولهذا فإن مجتمعنا ابتلي بصنفين من المترشحين؛ إما سياسي متسلق أو متدين متملق، أما المخلص من المترشحين فإنه حتماً سوف يضيع بين كذب الأول ونفاق الثاني!
نحن لا نريد أن نتهم الجميع بهذه التهمة الواضحة، بل نريد أن نؤكد أن الكثير من المترشحين ركب الموجة الدينية كي يصل سريعاً إلى نجاح نيابي أو بلدي في معركة تبدو الغلبة فيها للإنسان المتدين، ومن هنا نحب أن نوجه عموم الناخبين إلى اليقظة والانتباه من كل سياسي تحول بين عشية وضحاها لشخصية دينية، بينما قبل الترشح ربما لم يدخل المسجد قط، فهل وصلت الرسالة؟ أم يجب أن نقولها لكم بالفم المليان؛ انتخبوا الرجل المناسب ليكون لكم عوناً وسنداً في المكان المناسب.. فالخيار لكم وبين أيديكم.